من أهم الأحداث الثقافية الكبرى التي ستعيشها بلادنا خلال العام الجاري الذي لا نزال في شهره الأول، هو حدث إعلان القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية، بما يعنيه ذلك من فرصة مهمة واستثنائية لإظهار الخصائص التي تتسم بها الثقافة الإسلامية في تونس وطبيعة المقاربة التي تتبناها هذه الثقافة على امتداد تاريخها وصولا إلى حاضرها. طبعا لمدينة القيروان مكانة خاصة جدا في الكيان الثقافي التونسي والعربي الإسلامي بشكل عام. فهي فضاء رمزي ديني وثقافي وعلمي، لا يختلف في ذلك اثنان ولكن من المهم حسب اعتقادنا أن تكون الثقافة الإسلامية هي محل الاهتمام الأول في مجمل الأنشطة التي ستحيي حدث القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية. نقول هذا الكلام، مع أهمية أن تحظى القيروان أيضا بنصيب وافر من تجديد تقديم مجدها الفكري والعلمي وأن تعيش حالة مهرجان حقيقية تنفض عن موروثها الغني الغبار وتعيد إلى الذاكرة رموزها الكبار أمثال ابن رشيق وابن الجزار والحصري وغيرهم كثير. ولكن هذه الضرورة لا يجب أن تطغى على الاحتفالية أو تنفرد بها ذلك أن الأولوية من المهم أن تحظى بها مسألة الثقافة الإسلامية لأن الخلفية الفكرية لآلية الاحتفال الدوري بالثقافة الإسلامية، تستمد من مدن مثل حلب وفاس والقيروان قوة الرمزية ودلالات هذه المدن، بوصفها أمكنة ذات أبعاد روحية ودينية وثقافية. ونعتقد أن لتونس ما تقوله في خصوص مسألة الثقافة الإسلامية ولعل هذه الاحتفالية على امتداد عام كامل فرصة لتصدير المقاربة الإسلامية القائمة على الاجتهاد ومبدأ اليسر والمرونة في قراءة الدين الإسلامي ومقاصده. ولا يخفى على أحد خصوصية المدرسة الفكرية الإسلامية التونسية وتميزها بإعمال العقل وبالتجديد وبمراعاة قانون المصلحة، وبالتالي فإنه يكون من المجدي مزيد التعريف بهذه المدرسة وبرموزها وأيضا مزيد تشجيع حركة نشر الكتب ذات المضامين التي تتصل بالثقافة الإسلامية ومنظومتها القيمية وذلك من خلال حث المفكرين والجامعيين على تقديم مشاريعهم وأفكارهم وأعمالهم مع الحرص على تنويع المشاركات وعدم الاقتصار على نفس الأسماء، بل لابد من اكتشاف باحثين جدد ومنحهم فرصة المشاركة في الندوات والحوار والنقاش وهكذا قد نتوصل إلى اكتشافات معرفية مهمة. وهي نقاط لا شك في أن وزارة الثقافة والمحافظة على التراث ووزارة الشوؤن الدينية والمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون وجامعة الزيتونة ومركز الدراسات الإسلامية بالقيروان ومختلف المؤسسات الثقافية والمعرفية يولونها الأهمية اللازمة ويدركون مدى دورها في تحقيق النجاح المنشود. ولتأمين بحث جريء ومعمق للثقافة الإسلامية، لا مفر من التدقيق في تحديد الإشكاليات الهامة ومقاطعة المواضيع المستهلكة والصورية خصوصا أن مقارباتنا غنية وذات تراكم عميق، يرشدنا بذكاء سريع إلى النقاط الحساسة التي تستحق الطرح والنقاش. إن ما يجب أن لا يغيب عن أذهاننا البتة هو أن فكرة إعلان مدينة إسلامية معينة عاصمة للثقافة الإسلامية، قد أفرزتها الأحداث التي عاشتها المجتمعات الإسلامية في السنوات الأخيرة و أثرت على صورة الإسلام وقيمه في العالم إضافة إلى الدور السلبي للقنوات الدينية المتطرفة والسطحية في معرفتها بالدين. كل هذا استوجب مجهودات متنوعة وكثيرة لإظهار حقيقة الثقافة الإسلامية وتخليصها من الشوائب التي علقت بها بسبب مغالاة البعض وتبنيهم أطروحات إقصائية متحجرة لا تمت بصلة إلى روح الإسلام السمحاء الداعية إلى المحبة والسلام وإعمال العقل والاجتهاد. لذلك فإن النخبة الفكرية في تونس لديها ما تقوله وما تُقنع به في هذه المناسبة الهامة. وكلّما نجحنا في هضم الأهداف الجوهرية لهذه التظاهرة، كلما ضمنا التوفيق.