لقد تجاوزت الأزمة المالية العالمية قطاع البنوك والبورصات والتأمين والتعاملات النقدية في الولاياتالمتحدةالأمريكية في البداية لتصل إلى قطاعات اقتصادية أخرى حيوية وهامة وتتّسع شيئا فشيئا لتشمل بلدانا أوروبية بالخصوص وكذلك بلدانا أخرى في مختلف أنحاء العالم. وبعد قطاع السيارات طالت هذه الأزمة المالية قطاع تكنولوجيا المعلومات حيث عرفت جل الشركات المعروفة بريادتها في هذا القطاع تراجعا في نسب مرابيحها وأجبرت على تسريح عدد كبير من موظفيها للحفاظ على توازناتها المالية. انخفاض المبيعات وتراجع المرابيح بناء على تقارير موضوعية، توقعت جل الشركات العالمية في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصال تراجع أرباحها بالنسبة للسنة المالية الحالية. فشركة ميكروسوفت، مثلا، الأولى عالميا في صناعة البرمجيات، أعلنت رسميا عن انخفاض أرباحها بنسبة 11% خلال الربع الثاني من العام المالي الحالي مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وصرحت شركة «إنتل»، الأولى عالميا في صناعة الرقائق الالكترونية، من خلال عرض نتائج موازناتها بالنسبة للربع الأخير من سنة 2008 بأن المرابيح تراجعت بنسبة 90% مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، ويضيف المحللون أن نتائج الثلاثية الأولى لسنة 2009 سوف تكون أسوأ من نتائج عام .2008 كما أعلنت شركة «سوني» اليابانية الرائدة في مجال الالكترونيات أنها، وللمرة الأولى منذ 14 عاما، سوف تتكبد خسائر مالية من جراء ركود الاقتصاد العالمي الذي انعكس سلبا على مبيعات منتجاتها. وقد قدرت تلك الخسائر بحوالي 1.7 مليار دولار بالنسبة للسنة المالية الحالية التي تنتهي بنهاية شهر مارس القادم. وفي مجال الإنترنت، فقد أعلنت شركة «قوقل»، رائدة صناعة البحث على شبكة الإنترنت، عن انسحابها من برنامج الإعلانات المطبوعة في ما يزيد عن 800 صحيفة أمريكية للحد من تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على النتائج المالية للشركة. كما أعلنت شركة «ياهو» تجميد رواتب موظفيها وسحب أجزاء هامة من خدماتها على غرار مجانية حفظ ملفات المستخدمين على موقعها، وذلك بهدف مزيد الضغط على النفقات. أما بخصوص الشركات المتخصصة في صنع وترويج الحواسيب الشخصية فإن الدراسة التي أعدها مكتب «قارتنار» (Gartner)، هذه الأيام، تشير إلى أن مبيعات الحواسيب الشخصية في الربع الأخير من عام 2008 عرفت أقل نسبة نمو منذ سنة 2002 حيث لم تتعدّ هذه النسبة 1,1%، في حين أنها كانت لا تقل عن 15% في نفس الفترة من السنة الماضية. وقد سارعت الشركات الأربع الأولى عالميا في هذا المجال وهي الأمريكيتين «هيولات باكارد» و«دل» والتايوانية «آسير» والصينية «لونوفو» باتخاذ اجراءات وقائية للحد من تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية على نمو مبيعاتها. تسريح الموظفين وارتفاع نسبة البطالة من المظاهر السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية التي تنعكس مباشرة على نمط عيش الأفراد وظروفهم الاجتماعية هي لجوء الشركات إلى تسريح الموظفين وفصلهم عن عملهم وتفاقم نسبة البطالة في العالم. ومنذ أواسط عام 2008 وإلى بداية العام ,2009 قامت عدة شركات رائدة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصال بوضع خطط تأهيل لشطب مواطن عمل وتسريح البعض من موظفيها. وبصفة إجمالية، فإن مواطن الشغل التي تقرر الاستغناء عنها في هذا القطاع قد فاق عددها 174 ألف في العالم. فقررت شركة ميكروسوفت، مثلا، ولأول مرة منذ إحداثها سنة ,1975 تقليص 5000 وظيفة على مدار الشهور القادمة (18 شهرا) من بينها 1400 وظيفة قد تم إلغاؤها فعلا في بداية الشهر الحالي. كما أعلنت شركة «إنتل» عن تسريح ما بين 5000 و 6000 موظف و غلق خمسة وحدات إنتاج من وحداتها الموزعة في شتى أنحاء العالم. وأهم الوحدات التي سيتمّ غلقها هي معمل مدينة «بينانق» (Penang) في ماليزيا ومعمل مدينة «كافيت» (Cavite) في الفلبين وموقعي صناعة مادة السيليسيوم في كل من «أورقون» (Oregon) و«سانتا كلارا» (Santa Clara) في كاليفورنيا بالولاياتالمتحدةالأمريكية. وأما شركة «هيولات باكارد» ورغم حيازتها على المرتبة الأولى عالميا بخصوص مبيعات الحواسيب فإنها استغنت عن حوالي 24 ألف من موظفيها. وكذلك شركة «دل» التي تليها في المرتبة الثانية فقد قررت تسريح حوالي 9 آلاف موظف. والقائمة تطول حيث قررت كذلك، مثلا، شركة «سوني» الاستغناء عن 16 ألف وظيفة، و«موتورولا» 7000 وظيفة، و«فيليبس» 6000 وظيفة، و«صن» 6000 وظيفة، و «سيجيت» 6000 وظيفة، و«توشيبا» 4500 وظيفة، و«ألكاتيل» 4000 وظيفة، و«ياهو» 2600 وظيفة و«قوقل» 100 وظيفة. وكانت منظمة العمل الدولية قد حذرت، مؤخرا، من أن الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة قد تؤدي إلى انعكاسات سلبية وخطيرة على الأمن الوظيفي العالمي، حيث يتوقع أن تتسبب في ارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلى ما يزيد على 230 مليون شخص. وأشارت إلى أن نتائج استعراضها السنوي للعمالة العالمية تتوقع بأن يبلغ عدد العاطلين، خلال سنة 2009 ، حوالي 198 مليون شخص. استنتاجات ستؤثر الأزمة المالية العالمية بدون شك، حسب رأي الاخصائيين، على النمو الاقتصادي لبضع سنوات في كل المجالات وبالنسبة لكل دول العالم. ولكن وقعها سوف يكون مضاعفا بالنسبة لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصال في الدول الصاعدة، على غرار الهند والصين وتونس وماليزيا والبرازيل، لأن هذه الأخيرة راهنت على هذا القطاع لتحقيق نسب نمو مرتفعة في اقتصاداتها وتوفير أكبر عدد من فرص العمل في سوق شغلها. وكان «عظيم بريمجي»)(Azim Premji، رئيس شركة «ويبرو» الهندية العملاقة في تطوير البرمجيات، قد صرح في هذا الشأن في منتدى «دافوس» الأخير، بأنه إذا توقف النمو في قطاع تكنولوجيا المعلومات في الهند، على سبيل المثال، فان مليونين ونصف مليون فرصة عمل تتولد في السوق الهندية ستختفي. ومن الآثار المتوقعة للأزمة المالية العالمية على اقتصادات البلدان الصاعدة: انخفاض الطلب على منتجات تلك الدول المتمثلة في البرمجيات والخدمات نتيجة انخفاض الطلب العالمي، وهو ما سينعكس على موازناتها وقدراتها على تمويل مشاريعها التنموية. كما يحتمل أن يتقلص تمويل المشاريع التي تدعمها الدول الغنية بعد أن بدأت الدول المانحة ذاتها تعاني من تراجع نموها الاقتصادي وزيادة نسبة البطالة في سوق شغلها. وسوف تبتعد الشركات العالمية شيئا فشيئا عن العمل في أسواق ليست فيها ضمانات كبيرة وتتجه إلى الدول التي تتوفر فيها ضمانات أكثر. لقد سارعت بعض الدول الغنية باتخاذ بعض التدابير لمجابهة هذه الأزمة، وفي مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي حيث برمجت مشاريع استثنائية كبرى تمولها الدولة للمحافظة على حيوية النشاط في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصال، كما قامت بمراجعة نسبة نمو القطاع المتوقعة لسنة 2009 وخفضت فيها من 4% إلى 2% فقط. كذلك بالنسبة للبلدان الصاعدة، فهي معنية أكثر من البلدان الغنية بأخذ تدابير واقعية تتماشى وإمكاناتها الاقتصادية والاجتماعية للحد من تداعيات الانعكاسات السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية على قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصال. عبد المجيد ميلاد للتعليق على هذا الموضوع: