تونس الصباح: خلال الأشهر القليلة الماضية شهدت قاعات السينما «نزول» ما لا يقل عن ثلاثة أفلام تونسية جديدة هي على التوالي: * شريط «ثلاثون» للمخرج الفاضل الجزيري. * شريط «شطر محبة» للمخرجة كلثوم برناز. * شريط «سيني شيتا» للمخرج ابراهيم اللطيف. هذه الافلام الثلاثة تحديدا ولئن جاءت مختلفة في مضامينها وفي اسلوبها وخطابها الفني والجمالي فانها من حيث التوجه العام لم تحمل في ذاتها اي مؤشر يفيد ربما بان هناك بوادر نقلة او محاولة «خروج» بالسينما التونسية عن مسار قضايا «الهامش» والفردانية ثقافيا واجتماعيا الذي طبع جل الانتاجات السينمائية التونسية على امتداد العشريتين الماضيتين خاصة والدخول بها في صميم قضايا «الشأن العام» بمختلف وجوهه.. الافلام الثلاثة «شرط محبة» و«ثلاثون» و«سيني شيتا» اعطت جميعها الانطباع بان بعض السينمائيين لا يزالون يصرون على تجاهل قضايا الناس وظواهر المجتمع الحقيقية التي تعتمل في عمقه من جريمة وبطالة وغلاء وازمة سكن وتحولات عميقة على مستوى الافكار والرؤى والاحلام والتطلعات بمختلف انواعها وانهم يفضلون «الاشتغال» على كل ما هو «تاريخي» وتافه وهامشي وصادم ولا واقعي بالمعنى الثقافي والحضاري. «شطر محبة»: الاغتراب شريط «شطر محبة» لكلثوم برناز مثلا نجده يخوض ضمنيا في موضوع «الارث» ويحاول ان يأخذ المتفرج الى ضفّة الانتصار لمطلب «حقوقي» تعلنه منظمات نسوية تعتبر نفسها «تقدمية» ويتمثل في المطالبة في المساواة في الارث بين الذكر والأنثى في العائلة الواحدة وذلك على الرغم من وجود نص قرآني صريح ينص على ان نصيب الذكر هو ضعف نصيب الانثى في الميراث في المجتمعات الاسلامية.. المخرجة كلثوم برناز نجدها في شريط «شطر محبة» تحاول ولوج هذا الموضوع الشائك عقائديا وحضاريا من باب السينما وبخطاب ايديولوجي يتصنّع الدراما قد يكون يصلح في فضاءات «النضال» النسوي ولكنه وبكل المقاييس لا يمكن له ان يكون خطابا فنيا سينمائيا بالمعنى الابداعي والفرجوي والجمالي والحيادي خاصة لكلمة سينما.. هذا فضلا عن ان تناول قضايا من هذا النوع وبخطاب سينمائي يبدو امرا مستبطنا لكثير من التجني لا فقط على المتفرج ذاته بل وايضا على الواقع الاجتماعي والثقافي. «ثلاثون».. الماضي اما شريط «ثلاثون» للفاضل الجزيري ولئن حاول «الربط» سينمائيا مع محطات ورموز تاريخية وطنية كان لها حضورها ودورها البارز في تحديد التوجهات والاختيارات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تأسست عليها لاحقا دولة الاستقلال في تونس فانه وعلى الرغم من شحنة الحنين والفرجوية التي يتوفر عليها ويستبطنها بقي شريطا «ماضويا» في رسالته ومادته.. بمعنى انه من حيث مضمونه لم يكن على صلة براهن قضايا المجتمع والانسان في تونس الآن وهنا لذلك قد يجوز القول بانه بدوره شريط يعطي الانطباع لكل من يشاهده بان تونس الثلاثينات من القرن الماضي هي تونس اليوم (تونس الألفية الثالثة) وهذا لعمري ضرب من ضروب التجنّي على التاريح وعلى الحاضر معا.. «سيني شيتا» تتفيه الحاضر! اما اذا ما اتينا الى شريط «سيني شيتا» للمخرج ابراهيم اللطيف فاننا سنجد انه بدا من حيث خطابه وشخوصه قريبا بل قل ملتصقا بالراهن الاجتماعي في تونس اليوم ولكنه التصاق شكلي وغير عضوي.. بمعنى ان المشاهد ربما احالته شخصيات الشريط واحداثه والاطار الذي تجري فيه هذه الاحداث على الواقع والحاضر تونسيا وعالميا ولكنها احالة فقط على ما هو تافه وشخصاني.. فأحداث الشريط وحكايته هي «حكاية» لا تهم الا ابطاله.. اما عن الانسان والمجتمع في تونس اليوم.. وعن قضاياه وتطلعاته خارج اطار مجرد الحلم بانجاز فيلم سينمائي فلا وجود لها في ثنايا هذا الشريط!!! ان المتفرج على هذه الافلام التونسية الثلاثة الجديدة «شطر محبة» لكلثوم برناز و«ثلاثون» للفاضل الجزيري و«سيني شيتا» لابراهيم اللطيف ربما حصل له انطباع مفاده انها افلام تتهرّب من طرح القضايا الجديدة والحقيقية للانسان والمجتمع التونسي الجديد وان اصحابها (مخرجوها) يرفعون شعار «وكأن شيئا لم يكن»!