لعل من أطرف التعليقات وابلغها التي سمعتها بعد مشاهدة الحلقة الأولى من برنامج «سفيان شو» هي الصادرة عن ندين ابنة أحد الزملاء الصحفيين وهي تتابع هذه الحلقة مع والدها الذي كان ينتقد أداء سفيان الشعري. وبما أن هذه الطفلة البريئة التي لا يتجاوز سنها 4 سنوات مرتبط في ذهنها حضور السبوعي بشقيقه الدكتور سليمان لبيض فقد أجابت أباها بقولها لماذا لا يعاقبه شقيقه سليمان الأبيض لأنه في ذهنها سفيان ليس الا السبوعي. والأكيد أن من شاهد الحلقة الأولى من برنامج «سفيان شو» من الأطفال على غرار الطفلة ندين أو حتى من الكبار قد أصيب بالدهشة.والأكيد أنه لو لم يكن سفيان الشعري ومن معه ممن يعرفهم الجمهور التونسي لخيّل إلينا أننا أمام محطة تلفزيونية أجنبية وليست تونس7 لما حملته تلك الصورة الغريبة عنا والتي لا تمثلنا ولا تمثل حتى المجتمع الأمريكي أو الأوروبي لأنها مجتمعات حريصة كل الحرص على تثقيف ناشئتها وفق أسس علمية وتصورات تأخذ بعين الاعتبار العوامل النفسية والعمرية والاجتماعية والحضارية للطفل. فثقافة الطفل وكتابه وتلفزيونه وبرامجه هي بالتأكيد مختلفة كل الاختلاف على ثقافة الكهول باعتبار أن درجة التقبل مختلفة بحكم عامل السن. ما حدث في برنامج «سفيان شو» هو تقديم صورة لها مخلفات نفسانية ومركبات نقص لدى أطفالنا وعندما نقول أطفالنا أعني الأطفال التونسيين ولا أتحدث عن نسبة 0,005 بالمائة من الأطفال الذين يعيشون في تونس والذين يولدون في القطن ويتناولون «السومون» و«الكافيار» أثناء اللمجة. وليس بالضرورة أن الذين قدمهم البرنامج هم من هذه الطبقة بل أراد لهم سفيان الشعري والمسؤولون عن هذا البرنامج تلك القشور وذاك الزيف وكل المظاهر الوهمية التي يتفاخر بها الكبار من «ماكياج» النساء إلى «جال» الرجال. إلى الآن لا نقدر أن نتصور شعور تلك الطفلة التي زينت كما تزين بعض العرائس المغرمات بأنواع الدهن وهي تشاهد نفسها ترتدي «بيريك» (شعر اصطناعي) وتضع على وجهها الألوان الأربعة. ما حدث في تلك الحلقة أننا عمدنا إلى مغالطة الأطفال وتعليمهم الغش منذ الصغر وهو أمر خطير عندما يتغنون بطريقة البلاي باك ونفقدهم كل عفوية وتلقائية بتغيير لوكهم من طفل إلى شاب أو كهل ويزيد في الطين بلة عندما تغذي والدة أحد المشاركين هذا الوعي في ابنها وتقول له أريد أن تنتبه فقط لجمالك وأناقتك و«جال شعرك» وقد تقصد كذلك مغازلتك للبنات... وهي نصائح تتجاوز عمر طفلها... ما حدث أيضا في هذا البرنامج أننا قتلنا في أطفالنا وخاصة المشاهدين منهم والذين يعدون بالملايين كل البراءة والتلقائية بزيف الأضواء والبروتوكولات التي عاهدناها عند صناعة النجوم من ورق. فهل الطفل في حاجة لذلك أم هو في حاجة إلى برامج تذكي فيه قدراته الخفية وتنمي فيه مواهبه الحقيقية؟ وهل من المعقول أن نقدم «مزاودي» على أساس أنه نموذج وقدوة لطفل ما زال غير قادر على التمييز والاختيار وهل من المعقول أن نعلمه في روضات الأطفال أغاني الكليبات ونجوم ستار أكاديمي عوض أنشودة «نغسل وجهي بالصابون ونشرب كاس حليب سخون»..؟ هل معقول أن نلقن الأطفال الأناشيد أم أغاني الإثارة المجسدة؟ وهل من المعقول أن نعلمه كيف يقلد أليسا وسمير الوصيف أم نغذي فيه طموحه الدراسي بالتعرف على علماء ونوابغ؟ هل بطفل كهذا سنبني مستقبل تونس وغدها العلمي والاختراعي والصناعي... وهل من المعقول على أفراد لجنة التحكيم أن يدعموا هذه الغرائب أم أنه تنطبق عليهم مقولة «فاقد الشيء لا يعطيه» على اعتبار ثقافتهم ومستواهم التعليمي المحدود. الأكيد أن هذه الأسئلة العديدة وغيرها التي لم نأت عليها لن تقدر أن تصور كل الذهول والحيرة التي أصيب بها الأطفال وأولياؤهم وهم يشاهدون تلك الحلقة الأولى من «سفيان شو». ولعل الذي يغيب عن معدي هذا البرنامج -بعلم أو عمدا- هو أن البرامج الموجهة للطفل هي بالأساس برامج تعليمية ولها توقيتها ولا تبث في «البرايم تايم» وهي على خطورة كبيرة لان الطفل- كما يحلو للبعض تشبيهه -هو ورقة بيضاء نخط عليها ما نريد فكيف يمكن له أن يقبل على حياة جيدة وذات معنى إذا ما قلنا له أن أليسا هي قدوته التي يجب أن يقتدي بها. لا بد أن يدرك هؤلاء أن مفهوم التطور والتفتح وغيرها من المقولات إنما نتعسف بها على الأطفال في تلك السن. والأكيد أن الكثير منا مطّلع على برامج الأطفال في العالم العربي أو حتى الغربي ولعل بعضنا قد تابع «مدرسة الموهوبين» لجاك مارتان على القناة الفرنسية أو تابع برنامج «لعب عيال» على الفضائية المصرية وغيرهما من البرامج الأخرى للأطفال بما في ذلك الأمريكية فكل هذه البرامج حريصة على إبراز المواهب وتعليم الطفل كيف يخرج من محيطه الضيق إلى محيط أرحب بتدرج وتحثه على بناء مستقبل الإبداع والمعرفة. ولا شك أن أطفال تونس في حاجة إلى هذه البرامج وليس إلى برامج ترسخ فكرة «تقرا وإلا ما تقراش المستقبل ما فماش» أو تعلمه الأسلوب السهل والوهمي للرقي والنجاح المادي. فلا تعويض للعلم وشهائده. وبخصوص سفيان الشعري فنحن معه في دور السبوعي لكن ما أبعده عن التنشيط وهي ملاحظة تنسحب على كل الممثلين مثله الذين شاهدناهم إلى حد الآن في ادوار التنشيط التلفزي. جميعهم ودون ذكر أسماء. والأكيد انه من الهام أن يحترم كل واحد منا حجمه ولا يدعي كثيرا في الموهبة الوهمية المتعلقة بمجالات الفن والإعلام ويجرب كل شيء لان من يعلم كل شيء (بالمصري متاع كلو) هو في الحقيقة لا يعرف أي شيء... وأن استغلال هذه الوجوه الهدف الوحيد منه الاستثراء بجلب المستشهرين والمشهرين.. ومن همّه الإثراء لايهمه مستقبل هذا الوطن. وحيد عبد الله للتعليق على هذا الموضوع: