في تقاسم واضح للادوار اختارت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية منطقة جنوب شرق اسيا اول محطة خارجية لها بعد توليها منصبها الجديد فيما اختار سيد البيت الابيض من ناحيته ان تكون كندا الحليف الاستراتيجي في الحرب على العراق وافغانستان وجهته الاولى بعد شهر على توليه رئاسة الادارة الامريكية بما يمكن ان يجيب عن بعض من تساؤلات كثيرة ما انفكت تثار بشان اولويات الادارة الامريكيةالجديدة واستحقاقات المرحلة القادمة ولكن دون ان تجيب عن الكثير منها ايضا... لقد كانت ولاتزال المحطة الاولى لكل رئيس امريكي مؤشرا على الخطوط العريضة لادارته وربما يكون الرئيس اوباما قد اختار ان تحمل زيارته الى كندا رسالة ضمنية تتعلق بالدور المطلوب من جانب كندا في دعم احد اثقل الملفات المتوارثة عن ادارة الرئيس بوش والخاصة بالحرب الامريكية في أفغانستان والبحث عن تعزيز القوات الامريكية هناك وهو ما يعني ان المشهد الافغاني سيظل حاضرا وبقوة على اجندة الرئيس اوباما في السنوات الاربع الاولى لادارته بكل ما يمكن ان ينتظرها من احداث ومفاجات مستقبلا في البلد الذي طالما وصف بانه مقبرة الامبراطوريات بعد تجربة البريطانيين... ولعل في هذا ايضا ما يمكن ان يفسر اختيار رئيسة الديبلوماسية الامريكية - سيدة امريكا الاولى سابقا - ان تكون اندونيسيا اكبر بلدان العالم الاسلامي حيث امضى الرئيس اوباما سنوات من طفولته ضمن محطات جولتها الاولى في خطوة معلنة لاستعادة ثقة العالم الاسلامي بعد ثماني سنوات من سياسة الترهيب واستعراض العضلات التي اختارتها ادارة الرئيس بوش في تصنيف العالم العربي والاسلامي وتقسيمه الى معتدلين ومتطرفين. ولاشك ان في تصريحات المسؤولة الامريكية وهي تقف الى جانب نظيرها الاندونيسي حول الاسلام والديموقراطية العصرية يمكن اعتباره خطوة ديبلوماسية لا تخلو من الذكاء واستمرار عملية جس النبض لتصريحات الرئيس اوباما الذي اعلن مد يد الحوار الى الدول الاسلامية... على ان الحقيقة ورغم ما يمكن ان تكتسيه الجولة الاولى للرئيس اوباما ولوزيرة خارجيته من اهمية في اعادة ترتيب اوراق السياسة الخارجية الامريكية فان التوقف عند اغراءات رموزها الظاهرة كمؤشر على التغيير الموعود من جانب اوباما يسقط دون شك في دائرة التبسيط والسذاجة في قراءة الاحداث... فليس سرا بالمرة ان اولويات ادارة الرئيس الامريكي الجديد تبقى اقتصادية في ابعادها واهدافها واستراتيجياتها داخل وخارج الولاياتالمتحدة وجولة هيلاري كلينتون الى اليابان والصين وكوريا الجنوبية تتنزل في هذا الاطار وهي تمهيد للقمة "الاقتصادية" لرابطة دول جنوب اسيا «أسيان» ومنها الى قمة مجموعة العشرين المرتقبة بلندن لبحث سبل تجاوز الازمة الاقتصادية العالمية. وحتى الان فان لغة مسؤولي الادارة الامريكية وان اختلفت عن لغة غونداليزا رايس فانها لم تختلف عنها كثيرا. والخطاب المتكرر بشان الاهتمام بحل الدولتين اسرائيلية واخرى فلسطينية تعيشان جنبا الى جنب والتصريحات بشان الخطر النووي الايراني والملف النووي لكوريا الشمالية يظل قائما اما عن التاييد الامريكي لاسرائيلي فقد جاء بيان الخارجية الامريكية ليؤكد الاستعداد للتعامل مع أية حكومة اسرائيلية يمكن ان تفرزها تحالفات الاحزاب اليمينية المتطرفة في اسرائيل بما يلغي نهائيا اوهام الحالمين بمقاطعة لاي من المسؤولين الاسرائيلين بما في ذلك ليبرمان... ولا شك في ان سلة الانتظارات من جانب هيلاري كلينتون ستظل خاوية اذا استمر الوضع على حاله ولم تتم الاستفادة من دروس الماضي بكل انتكاساته وشروخه وفرصه الضائعة في متاهات الاحداث...