سارة العبيدي مخرجة سينمائية تونسية شابة ربما مازال لا يعرف عنها جمهور السينما الشيء الكثير لكنها طموحة ومتمسكة بحلمها في أن تصبح مخرجة ناجحة ومعروفة وفي الوقت الذي لا يحتاج الآخرون في أوروبا أو أمريكا وقتا طويلا حتى يكوّنوا رصيدا من الأعمال تصبح وسيلتهم إلى تسويق أفكارهم وإقناع المنتجين بمردودية الإستثمار في المشاريع الثقافية يبقى الاشتغال بالحقل الثقافي في تونس مثلها مثل البلدان التي تشبهنا في ظروفنا من قبيل العمل النضالي. عليك أن تتصرف وأن تبحث لنفسك عن الموارد الكافية لتجد أحلامك أو البعض منها طريقها إلى التنفيذ. لذلك لم تضيّع سارة العبيدي الفرصة التي عثرت عليها من خلال المبادرة التي قام بها المركز الثقافي البريطاني بتونس لفائدة هذه الفنانة الشابة وعدد من زميلاتها بالمجال من بلدان شمال افريقيا والشرق الأوسط في إطار مشروع إقليمي خاص بالمرأة والعمل. المشروع الذي انطلق منذ سنة 2007 لا يهتم بالسينما فحسب وإنما يشمل الأمر مختلف المهن والحرف والإختصاصات التي عادة لا تجد إقبالا من النساء لاعتبارات اجتماعية وأخلاقية وثقافية وغيرها. وهي مهن ليبيرالية بالأساس. يشرّك هذا المشروع الإقليمي الذي يمتد على ثلاث سنوات قابلة للتجديد المرأة لتحقيق أهدافه. وهي أهداف تتلخص في تشجيع المرأة على اقتحام "المناطق المحرمة " في سوق الشغل ويستهدف المشروع النساء الشابات بدرجة أولى اللواتي مازالت الفرص أمامهن كبيرة لتحديد اختياراتهن أو لتغييرها وفق حاجتهن لذلك. كان وفد من السينمائيات الشابات من تونس قد زار في أكتوبر من العام الماضي العاصمة لندن للإطلاع على بعض التجارب للسينمائيات البريطانيات في إطار نفس المشروع. . وقد ردت السينمائيات البريطانيات على هذه الزيارة بزيارة مماثلة إلى بلادنا انطلقت منذ الخامس عشر من هذا الشهر. وتم بالمناسبة اعداد برنامج تمثل في جولة بين المعاهد والأستوديوهات السينمائية بتونس وأمسيات ثقافية إضافة إلى ورشة عمل استغرقت يومين وانتظمت ببيت الحكمة بقرطاج بالعاصمة وذلك يومي 19 و20 فيفري الجاري. الإقناع في أقل ما يمكن من الكلمات وكانت ورشة العمل فرصة للإلتقاء بين السينمائيات التونسيات وزميلات لهن من عدد من الدول العربية إضافة إلى الوفد البريطاني. ولئن انطلقنا في هذا النقل الخاص بالتظاهرة السينمائية الدولية بتجربة المشاركة التونسية سارة العبيدي فذلك لأنها كانت المبادرة بعرض مشروعها أمام بقية المشاركات. وقد اتخذت ورشة العمل شكل مجموعات مختلطة. الفكرة (فكرة تنظيم الورشة بشكل مختلف ) كانت بامضاء السيدة درّة بوشوشة المنتجة السينمائية والتي كانت قد أدارت الدورة الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية. وتمحورت حول تسويق الفكرة. أي كيف يمكن لك أن تقدم فكرة الفيلم في أقل ما يمكن من الكلام أمام لجنة اختيار وأن تثير اهتمام هذه اللجنة لاقتناء عملك. الإشكالية بالنسبة للسينمائيين الشبان حسب السيدة درة بوشوشة تتمثل في أنهم يملكون الأفكار ولكن بحكم افتقارهم إلى الشهرة فإنهم لا يجدون فرصا كبيرة لتسويق أعمالهم بسهولة. يمكن لمخرج مشهور أن يستفيد من اسمه المتداول في السوق في حين يبقى الفنان الذي مازال في بداية الطريق في حاجة إلى إقناع المنتجين وكل الأطراف المتدخلة في عملية التسويق والدعم. استغرقت الجماعة وقتا طويلا في مناقشة فكرة الفيلم التي قدمتها سارة العبيدي من تونس. الفكرة تدور حول طالبة تونسية أكملت تعليمها باحدى الدول الغربية ولما أنهت دراستها أصبحت مطالبة بمغادرة التراب الأجنبي لكنها لم تكن ترغب في ذلك لأن أوروبا بالنسبة لها رمز للنجاح وبعد مغامرات كثيرة وتحديات وصعوبات تظفر بحق البقاء لكنها تقرر العودة في نهاية الأمر. نوقشت الفكرة من مختلف الزوايا. وساهمت أغلب المشاركات في النقاش وكل واحدة كانت تريد مزيدا من التوضيح وتقدم تساؤلات وتحاول أن تفهم بعض الأمور التي تراها غامضة وقياسا على ذلك تم تقديم بقية الأفكار. فقد خصص جزء من اليوم الأول للورشة إلى التشاور والحوار في إطار فرق مصغرة ثم خصص كامل نهار اليوم الموالي وكذلك جزء من اليوم الذي سبقه في مناقشة الأفكار في جلسات عامة. لقد شعرت كل مشاركة أنها كما لو كانت أمام لجنة اختيار حقيقية. وقد شدّدن على أن الإختبار كان ذا جدوى. مقابل ذلك فإن الأجواء كانت ودية جدا وغالبا ما تعلو الضحكات بالقاعة كرد فعل أو استظراف لبعض المواقف أو الآراء. أكدت السيدة درة بوشوشة أنها حاولت تجنيب الجماعة الخطب المطولة واختارت هذا الشكل من العمل لأنه أكثر نجاعة وفائدة. الأجواء بالنسبة لها كانت جيدة ومريحة رغم أن الورشة ضمت سينمائيات بريطانيات يحضرن لأول مرة إلى تونس وليست لديهن أفكارا واضحة حول المرأة بتونس أو بالمنطقة العربية أو بالأحرى لا بد وأن لهن أفكارا مسبقة حسب توضيحها. مع العلم أنه وبالإضافة إلى سارة العبيدي شاركت في هذه الورشة من تونس كل من هند بوجماعة وعفاف بن محمود ومريم التريكي ونجوم بن حمودة وإنصاف عرافة ومن المغرب بشرى ليوك ومن فلسطين إيناس مظفر ومن الأردن ماجدة كاباريتي ومن لبنان سينتيا شقير ومن مصر ناديا كمال. أما الوفد البريطاني فتتكون من" إيفا فيبار وجيسيكا إدواردس وكاري ووتر وآنيتا لوتون وكايت كينيمونت ". وتم التأكيد لنا بالمناسبة أن السينمائيات البريطانيات أغلبهن من صاحبات التجارب المهمة وهن من الأسماء الموجودة والفاعلة بالساحة الإنقليزية. المشاركات العربيات أغلبهن من صاحبات التجارب كذلك أما التونسيات فقد تم الإختيار على الوجوه الشابة التي بدأت للتو حياتها المهنية - حتى بالنسبة للممثلة المعروفة عفاف بن محمود -فهي تعدّ لعملها الأول كمخرجة سينمائية -و ذلك بهدف تشجيعهن على المواصلة في هذا الاختيار الصعب كما لا يخفى ذلك على العارفين بالميدان. لا ينته العمل في هذا المشروع بانتهاء البرنامج الخاص بهذا القطاع المهني أو غيره ذلك أنه يهدف إلى خلق شبكات اتصال بين مختلف الأطراف المشاركة فيه أو المهتمة به. المستفيدات من المشروع مدعوات كذلك للتعريف بتجربتهن لدى أكبر عدد ممكن من النساء والفتيات والتركيز بالخصوص على ما هو إيجابي في الأمر.