تجار التفصيل هجروا المهنة بعد عقود لأنها لم تعد مربحة نسق التوريد بدأ يتقلّص وسمك اليونان لا يختلف عن أسماكنا هامش الربح لم يتغيّر منذ الاستقلال رغم تطوّر وسائل الإنتاج نخسر يوميّا 5 دنانير قبل أن نبدأ البيع تونس- الأسبوعي: في الوقت الذي تراجعت فيه معدلات الأسعار في كل شيء تقريبا... بمفعول الركود وتراجع مؤشرات الاستهلاك والأزمة العالمية... حافظت أسعار السمك على ارتفاعها ودلالها وتمنعها في وجه التونسي... وزاد عنادها مقابل تراجع وتواضع مقدرته الشرائية... متسلحة في ذلك بحنين لا يزال يشدّه لأطباق السمك الشهية ومرتبطة بتاريخ هذه الربوع... ولأجل كل ما سبق ذكره نستضيف في مصافحة اليوم رئيس الغرفة الوطنية لباعة الأسماك بالتفصيل المختار بن ماجرية لمحاولة التعرف على أسباب هذا الغلاء والشطط في الأسعار وفرص تداركها ومعالجتها. * سي مختار.. كل البورصات العالمية تغلق على انخفاض هذه الأيام بمفعول الأزمة إلا أسعار السمك فهي تفتح وتغلق على ارتفاع وصعود صاروخي ومتواصل فما الحكاية؟ - السبب الرئيسي هو تقلب الطقس وسوء الأحوال الجوية غير المناسبة للخروج للبحر... * (مقاطعا)، أرجوك لا تحدّثني مجدّدا عن لوبانة الطقس والأحوال الجوية.. فقد سئمنا الحديث عنها ما أريده منك هو تقديم مبرّرات منطقية لغلاء الأسعار وأسباب الشطط فيها؟ - من الطبيعي أن يكون سعر السمك مرتفعا طالما أن سعره يكون مرتفعا منذ المنشإ حيث نقتنيه بأسعار لم نتعوّد عليها منذ خروجه من البحر إلى البر. * كيف ذلك والبحّار يقول أن سعر «التيلار» الواحد من السردنية لا يتجاوز في أتعس الأحوال 5 دنانير عندما يبيعونه للتجار... ويتفاجؤون به فيما بعد يباع بالتفصيل في الأسواق بثلاثة دنانير للكلغ الواحد؟ - هذا حديث مبالغ فيه وما مصلحة تاجر التفصيل في بيع بضاعة بأسعار مرتفعة والحال أنه اقتناها بسعر زهيد؟ هل يريد المساهمة في عزوف المستهلك؟.. الواقع أن ارتفاع الكلفة منذ خروج محصول الأسماك من مياه البحر وكلفة النقل والحفظ وغيرها تساهم في الترفيع في الأسعار أضف إلى ذلك بعض المصاريف الجانبية فتاجر التفصيل يتكبّد الكثير منها فهو مضطر لركوب التاكسيات عند ساعات الفجر الأولى للذهاب إلى سوق الجملة بغرض التزوّد ببضاعته في توقيت يصبح خلاله عدّاد التاكسي يعمل بوتيرة مضاعفة أضف إلى ذلك معاليم الكراء والأداءات والمصاريف القارة من ماء وضوء وثلج وعملة... كل ذلك يحمل على هامش ربحه المتواضع وإذا ما علمنا أن معدل الأسعار عند التزوّد يكون مرتفعا فإن البيع للعموم باعتبار كل ذلك يكون بالضرورة مرتفعا. * أفهم من كلامك أن النقص الحاصل في الكميات عند التزود هو السبب الرئيسي في عدم كبح جماح الأسعار... فهل يوجد فارق كبير على مستوى التزود بين الكميات التي كانت تعرض سابقا والكميات المعروضة حاليا على ذمة تجار التفصيل بأماكن البيع بالجملة؟ - نعم الفارق موجود وهو هام وقياسي أحيانا... ونحن لا نلقي باللوم على أي طرف فالبحار وعندما ينزل للبحر ويمارس عملية الصيد فإنه لا يظفر إلا بثلاثة أطنان فقط وهو المتعوّد على محصول لا يقل عن خمسة أطنان وفي المحطّة يكون المعروض قليلا على خلاف العادة وما يمكنني قوله في مثل هذه الحالة هو أنه «أحيانا يعطي ربي خير وأحيانا يحصل العكس» وهو أمر أعتقد أنه لا يدعو للتأفّف. * طيب تعودتم على تعويض النقص الحاصل في الكميات بعمليات التوريد من الخارج وأخص بالذكر هنا بلدان الجوار وبالأخص تلك البلدان التي تفتقد ثقافتها الاستهلاكية للإقبال على السمك وتحديدا الأصناف «الشعبية» منه التي تلقى رواجا كبيرا في أوساط الشرائح الاجتماعية التونسية المتوسطة والمحدودة... هل طرأ تغيير على هذا التوجه؟ - لنتكلم بوضوح أنت تقصد بالضبط التوريد من ليبيا... المعلومات التي بحوزتي تقول أن نسق التوريد من الشقيقة ليبيا تراجع بشكل كبير جدا وتراجع عمّا كان معمولا به في السابق. * ما السبب في ذلك وقد سبق لكم القول بأن المستورد من ليبيا يساهم من جهته في تعديل الكميات المعروفة ومن جهة أخرى في تعديل معدلات الأسعار نفسها؟ - فعلا الكميات التي كانت تورّد من ليبيا كانت تساعدنا كثيرا في تعديل الأسعار وتوفير منتوج متنوع يلبي رغبات الحرفاء بأسعار معقولة ولكني أجهل في الواقع أسباب تراجع التوريد من ليبيا. * وهل تراجع كذلك نسق التوريد من بلدان أخرى تزامنا مع تراجع التوريد من بلدان الجوار؟ - أعتقد أن ذلك غير صحيح فنحن لا نزال نورّد من اليونان عموما «الماكرو ورقة» و«القاروص» بنفس الكميات وكذلك الشأن بالنسبة «للبوري» من إسبانيا. * بوصفك أولا تاجر تفصيل هل تجد تلك المنتوجات إقبالا كبيرا من لدن الحريف؟ - طالما أن السمك «ناقص» على مستوى الكميات فقانون العرض والطلب يحكم على الحريف بالإقبال عليها. * والنكهة؟! - هي ذاتها، لا فرق بينها وبين الأسماك المحلية. * بصراحة هل ترى الأمر مقبولا... من حيث توريدنا للسمك والبحر يحيط بنا من كل الجهات حتى أن هواءه الرّطب أزكم أنوف معظم التوانسة؟ - عندما يتجلّى الطقس نهائيا لأنه حاليا «يأخذ ويعطي».. فأحيانا يكون القمر ساطعا وأحيانا يهطل المطر بغزارة ليلا ونهارا وأحيانا يشتد الصقيع وهبوب الرياح... وأتوقع أنه عندما يستقر حال الطقس تدريجيا سيكون المحصول وفيرا كالعادة وتعود أسعار السمك إلى رشدها. * هذا يعني أنك تتوقع انفراجا في أسعار السمك في قادم الأيام؟ - طبعا عندما يكثر الإنتاج ويتوفر المعروض ستتراجع الأسعار بحكم توفر العرض وتلبية الطلب بالكميات المطلوبة. * بحكم علاقتك المباشرة بالحرفاء هل تلمس أحيانا تراجعا في الإقبال على الأسماك بفعل ارتفاع السعر مثلا؟ - معلوم، كلما ارتفع السعر كلما تراجع الإستهلاك وبالتالي الإقبال على السمك... وهو تراجع مفهوم بحكم محدودية القدرة الشرائية للسواد الأعظم من التوانسة. * ألم يؤثر ذلك على استمرار تواجد بعض تجار التفصيل ومحافظتهم على موارد رزقهم وتواصل مزاولتهم لهذه المهنة؟ - لقد فرّ الكثير منهم بجلده وقاموا بتغيير النشاط... وفيهم القدامى الذين مارسوا هذه المهنة أبا عن جد ومنذ عقود وكل هذا بسبب كثرة المصاريف وعدم قدرة تاجر التفصيل على مجابهتها والحفاظ على توازنه المنشود للاستمرار في ظل وضع متغيّر دائما. * أنت رئيس الغرفة الوطنية، هل يمكننا أن نعرف نوع التشكيات التي تتلقاها من المنضوين تحت راية غرفة باعة السمك بالتفصيل؟ - المشاغل كثيرة وأولها هامش الربح الذي لم يتغيّر منذ الاستقلال إلى يوم الناس هذا... رغم تطور أسعار جميع متطلبات الحياة... ثانيا نسبة الأداء في سوق الجملة عند التزود والمحمولة على كاهل تاجر التفصيل والتي حددها القانون ب4,6% هي نسبة أصبحت موضوع العديد من تذمّرات المهنيين... فالمهني يدفع عن كل مبلغ يدفعه مقابل الكمية التي يتزوّد بها هذه النسبة المذكورة... وهي نسبة لم يكن تاجر التفصيل يشعر بها عندما كانت أسعار الحوت مقبولة ومتدنية... ولكنها أصبحت اليوم مشطّة بفعل ارتفاع الأسعار عند التزوّد... ونأمل أن تساهم الاجراءات الرئاسية الأخيرة والتي سبقتها في التخفيف من هذه الأعباء وأن تعم ثمارها على كامل المتدخلين في منظومة التزوّد بالأسماك. * أرأيت، عندما تلتهب الأسعار فإنه لا يكتوي المستهلك فقط بنارها... بل جميع عناصر منظومة التزويد ويكفي ما ذكرته منذ قليل عن إضمحلال العديد من موارد الرزق؟ - يضعنا الجميع في خانة المستكرشين والحال أننا ضحية بدورنا لعدة عوامل تبدأ من الطقس ونقص التزويد وكثرة المصاريف... تصوّر أننا غالبا ما ننطلق في طلب رزقنا بخسارة تقدر بخمسة دنانير. * كيف ذلك؟ - تلك مشكلة عويصة رغم أن القضاء عليها أمر سهل حيث أن «تيلار» الحوت الذي نتزوّد به من عند بائع الجملة سهل الإتلاف وسرعان ما تغوص فيه أصابع من يحمله لسبب بسيط وهو أنه صنع من مواد هشة ومن الدرجة التجارية الثالثة وهكذا سرعان ما يخسر تاجر التفصيل «الرّهن» الذي تركه في مقابل «التيلار» لدى بائع الجملة... في أوروبا يتم استعمال الخفاف ويقع تحميل البضاعة في حاويات ذات استعمال وحيد ويقع الاستغناء عنها مباشرة إثر استعمالها... * وبالطبع يتم تحميل المستهلك مسؤولية هذه الخسائر العرضية؟ - (ضاحكا) على كل حال تلك المسائل تدخل في باب المصاريف بصفة عامة. * باختصار شديد هل حصل في مناسبة من المناسبات أن انعدم التزويد بالكميات المطلوبة في وجه تجار التفصيل؟ - يكون التزويد منعدما أحيانا وحصل ذلك في عدّة مرات بإختلاف الحالات التي حدث فيها ذلك. * وفي الختام... - نشكر لأعلى هرم في السلطة اهتمامه بأحوال المهنيين في كل مراحل التزويد من أول حلقة إلى آخر الحلقات... وعلى الإجراءات والحوافز الرامية لدفع القطاع وتحسين أوضاعه سواء تلك الاجراءات التي مسّت أحوال البحارة أو تلك المتعلقة بتأهيل سوق الجملة وكذلك السوق المركزية وغيرها... وهي اجراءات نأمل أن تثمر الكثير من الإيجابيات وتنعكس على جيب المستهلك مثلما انعكست على ظروف عمل كل المتدخلين في القطاع. للتعليق على هذا الموضوع: