هل هي نهاية ازمة الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني المتورطين في قضية حقن اكثر من اربعمائة من الاطفال الليبيين بفيروس السيدا ام هي اعلان ديبلوماسية ساركوزي خلف الكواليس؟ يبدو ان كل المؤشرات تتجه نحو هذا الاتجاه على الاقل من خلال المشهد المفاجئ الذي رافق عودة المعنيين بعد رحلة طويلة راوحت بين التعقيد والغموض حينا وبين الانفراج المشروط حينا اخر على مدى اكثر من عقد من الزمن سجلت احدى اطول واعقد محاكم القرن واكثرها تكاليفا واثارة للجدل في الاوساط الديبلوماسية والاعلامية الغربية التي ظلت في كثير من الاحيان مجبرة على مسايرة تطورات الاحداث واظهار الكثير من التودد الى ليبيا حينا والتهجم حينا اخر في محاولة لاستعمال سياسة العصا والجزرة والتوصل الى نتيجة ايجابية تضع حدا للازمة التي تجاوزت حدود طرابلس وصوفيا لتمتد الى مختلف العواصم الاوروبية فضلا عن الاممالمتحدة وامريكا حيث كان كل طرف من هذه الاطراف يسعى الى اغراء ليبيا بعلاقات افضل على الساحة الدولية مقابل اطلاق سراح الفريق الطبي البلغاري الامر الذي لم تكن ليبيا غافلة عنه، بل ربما وجدت ليبيا في احيان كثيرة ما يشجعها على المهادنة ومسايرة اللعبة بين التصعيد حينا والتلويح بالانفراج حينا اخر بدءا باقرار حكم الاعدام وصولا الى المؤبد ومنه الى تلك النهاية التي تناقلتها مختلف الفضائيات العالمية بالامس وهو ما يمكن ان يكون وراء مساعدة ليبيا على فرض شروطها قبل اعلان تسريح الممرضات الخمس ورفيقه الفلسطيني وبالتالي تحقيق اكثر ما يمكن تحقيقه من المكاسب السياسية والحسابات من خلال ديبلوماسية الكواليس لا سيما بعد حصول عائلات الأطفال الضحايا على تعويضات مالية مقابل اغلاق الملف. على ان الاكيد انه ورغم عنصر المفاجاة الذي رافق مشهد عودة الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني الى صوفيا على متن الطائرة الرئاسية الفرنسية فان المشهد كان متوقعا في كل حين منذ اعلن الاسبوع الماضي عن زيارة خاصة لزوجة الرئيس الفرنسي الى ليبيا ولقائها العقيد معمر القذافي ثم اعلان مجددا بالامس عن عودة السيدة الاولى في فرنسا الى طرابلس صحبة ممثلة الاتحاد الاوروبي وهو ما اريد له ان يعطي الزيارة طابعا اوروبيا. ولاشك انه عندما يكون مكتب الرئيس ساركوزي اول من يعلن عودة الممرضات البلغاريات فان في ذلك اكثر من رسالة واكثر من اشارة حرص الرئيس الفرنسي على توجيهها في مثل هذه المرحلة، فاذا كان الرؤساء ورؤساء الحكومات في الانظمة الاوروبية يعمدون عادة الى انتظار انقضاء المائة يوم الاولى لتوليهم السلطة لتسجيل حدث ديبلوماسي او نقطة في بداية مسيرتهم، فان الرئيس الفرنسي الجديد لم ينتظر ذلك الموعد ولكنه استبقه بطريقة تؤشر لتحولات كثيرة في الديبلوماسية الفرنسية. ورغم انه لم يكشف حتى الان عن كل الاسرار التي رافقت نهاية العملية او تفاصيل الصفقة فان الاكيد ان ساركوزي كان الاسرع في قطف ثمارها، فقد جاء الاعلان عن اطلاق سراح الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني ليؤكد للفرنسيين نجاح رئيسهم السريع في الموقع الذي فشلت فيه وساطات دول الاتحاد الاوروبي وحتى غيرها على مدى السنوات الماضية، كما ان في اعلان مكتب الرئاسة للحدث سيسجل دخولا قويا لساركوزي في الايليزيه على حساب الخارجية الفرنسية. اما بالنسبة لزوجة ساركوزي فقد فرضت على الفرنسيين تحولا ربما لم يعهدوه من قبل وفتحت المجال للسيدة الاولى للضلوع بدور سياسي جديد في الكواليس وقد نجحت بالامس سيسيليا ساركوزي في اختطاف الاضواء امام المسؤولة الاوروبية فيريرو فالدر بعد عودتهما من طرابلس ومعهما الفريق الطبي البلغاري.. ولعل زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى طرابلس تكشف اليوم المزيد من اسرار صفقة لم يكشف عنها الكثير حتى الآن على ان السؤال الذي يظل مطروحا ما اذا كان ساركوزي الذي نجح حيث فشل العديد من المسؤولين الاوروبيين واخرهم طوني بلير الذي اقتصر خلال زيارته الى ليبيا قبل استقالته من رئاسة الوزراء على صفقة نفطية مهمة ما اذا كان سيواصل سياسته هذه لبحث حل في الازمة اللبنانية التي يبدو ان فرنسا تصر على التوصل الى نتيجة ايجابية لها...