ظاهرة غريبة وعجيبة تعيش على وقعها هذه الأيام مكاتب إنتاج المسلسلات التلفزية بسبب تزاحم المئات للترشح لدور من ادوار المسلسلات التلفزية الرمضانية واللافت للانتباه أن بعض الشبان والأطفال يتقدمون للكاستينغ برفقة أوليائهم وبتشجيع منهم بالرغم من أن مرحلة تصوير الأعمال الدرامية التلفزية تتزامن مع الدروس والامتحانات المدرسية والجامعية. وفي محاولة لفهم الظاهرة من بعض هؤلاء الذين استوقفوني لادلهم على عنوان الكاستينغ أو من بعض الأقارب والأصدقاء ممن ترجوني لأتدخل لهم لدى مخرج أو مساعده للحصول على دور في مسلسل من المسلسلات... سعيت لمعرفة غاياتهم وأهدافهم مما يرغبون في تحقيقه فإذا هي تتلخص في أمرين اثنين لا ثالث لهما الأول الشهرة والثاني الحصول على المال بأسرع وأسهل طريقة ممكنة لان طريق الدراسة وعرق الجبين وعرة ومكلفة على مستوى الوقت والصبر والجيب و«ثني الركبة» و«تكسير الدماغ». إحدى المترشحات للكاستينغ سألتني هل اعرف «الباف» وكانت تقصد «الداف» أي الإدارة المالية والإدارية للتلفزة فلم افهم سؤالها إلا لما أخبرتني بأنها بصدد البحث عن المكان الذي يجرى فيه كاستينغ مسلسل «عاشق السراب» فأرشدتها بعد أن تحدثنا عن سر تقدمها للكاستينغ فأخبرتني أنها خريجة مدرسة سياحية والعمل في السياحة غير مربح كثيرا وتريد أن تصبح مشهورة في تونس حتى تحترف في مصر مثل هند صبري ويبدو أن أحلامها الجامحة لا تقف عند هذا الحد. أما إحدى الأمهات المصاحبة لابنتها التي تدرس بمعهد حر فقد ذكرت أنها أحضرت ابنتها للكاستينغ لأنها صديقة إحدى الممثلات الجديدات التي شاهدناها في دور من ادوار «الليالي البيض» وذكرت هذه السيدة أن ابنتها تفوق هذه الممثلة علما وجمالا وقد تنكرت لها بمجرد أنها أصبحت في التلفزة وصورها في الجرائد. الأكيد أن الأمر لا يحتاج إلى تعليق سوى ملاحظة أن الفن عندنا هو بمثابة الحمار القصير الذي يجرؤ الجميع على ركوبه. ولا فائدة في ذكر وتعداد الأسباب الأخرى لهؤلاء لأنها من المضحكات المبكيات ولا تشرع إلا للادعاء والوهم إلى درجة أن احدهم قال أن من يفشل في الدراسة والحياة في تونس يمتهن الفن وأضاف أن من ميزات بعض التونسيين هو تصديقهم لأحلام اليقظة فلا نستغرب يوما من حماص مثلا - مع احترامنا لكل المهن ولكل خلق الله - أن يعرب عن رغبته في أن يصبح وزيرا. وحتى نكون امناء ونعطي لقيصر ما لقيصر نشير إلى أن عددا كبيرا لا يحصى ولا يعد من الذين أصبحوا ممثلين ومغنيين في تونس ولدوا ولادة قيصرية وليس طبيعية وكانت نجوميتهم بالصدفة وهي حجج هؤلاء المترشحين اليوم لادوار المسلسلات أو لبرامج الغناء وقد حدثنا البعض منهم عن معرفتهم الجيدة ببعض الممثلين الذين هم أهل لهم وجيران وقد أصبحوا اليوم نجوما بضربة حظ فلم لا يجربونهم ورقة حظهم التي لا تتطلب باكالوريا ولا إجازة وطالما أنهم لا يعرفون للطموح آليات وسبلا وتحديات وتضحية وتوقا بعقلية وبحكمة. ولعل الأدهى والأمر أن هؤلاء الذين وجدوا في الساحة بصفة فنان عن طريق العلاقات والصدفة ونسبتهم تصل الى 80 بالمائة يجرؤون اليوم على نقد أصحاب المهنة والاختصاص ويتطاولون عليهم إن لزم الأمر. وفي هذا الإطار أطلعكم على غريبة الغرائب وتتمثل في جهل ممثلة للقراءة والكتابة وهي تقريبا أمية ومع ذلك هي حاضرة بصفة دائمة وتستأجر هذه الممثلة من يلقّنها دورها لأنها لا تقدر على القراءة بمفردها ومعروف عن هذه الممثلة وأخريات علاقتهن المتطورة بالمخرجين والمساعدين الذين تدفعن لهم بسخاء للحضور في كل الأطباق الرمضانية ووصل الأمر إلى درجة أن بعضا من الأدوار التلفزية توزع في غرف النوم على حد ما يجزم البعض بأدلة... فهل نستطيع بهذه الأساليب أن نؤسس لسياسة فنية ولدراما تلفزية قادرة على المنافسة والترويج في القنوات العربية أم ستظل ساحتنا الثقافية مجرد مشهد متحول لا أسس له ويرتع فيه من هب ودب من الفاشلين والمتشعبطين. وحيد عبد الله للتعليق على هذا الموضوع: