لا يمكن أن يمر نبأ وفاة عازف الكمان اللبناني الشهير عبود العال دون الوقوف عند تجربته المتفرّدة في العزف والتوزيع وهي تجربة جعلت منه واحدا من أشهر عازفي الكمان في الوطن العربي خلال الثلاثين سنة الماضية. ألقاب عدة أسندت لعبود العال فالبعض يلقبه ب"شيطان الكمان" بينما يطلق عليه آخرون لقب "أسطورة الكمان" في حين يحلو لشق آخر مناداته ب"ساحر الكمان"... هذه الألقاب وغيرها لم تطلق على هذا المبدع جزافا فهذا الفنان الذي ينحدر من عائلة فنية معروفة هو ابن عازف القانون المعروف ابراهيم عبد العال وله أشقاء يعزفون القانون والكمان والناي من ضمنهم شقيقه عازف الناي بشير عبد العال غير أن موهبته وحبّه لهذه الآلة الموسيقية جعلا منه الأكثر موهبة وشهرة وقدرة على العزف بين أشقائه. شهرة واسعة وموهبة متفرّدة رحلة الحب بين الموسيقى وعبد الرحمان عبد العال (وهو اسمه الحقيقي) انطلقت منذ الصغر فكان يهوى الاستماع إلى روائع الموسيقى الغربية والعربية وظهر ميله لآلة الكمان في سن مبكّرة وتأثر بشدة بأنور منسي عازف الكمان في تخت موسيقار الجيلين محمد عبد الوهاب وكذلك بأمير الكمان الشرقي سامي الشوا الذي صاحب بالعزف غناء كبار المطربين والمطربات منذ عبد الحي حلمي حتى عهد أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب . في السبعينيات أسس عبود عبد العال فرقته الموسيقية" الأوتار الذهبية" وقادها لسنوات كما شكل مدرسة خاصة به في العزف على الكمان وانتخب نقيبا للفنانين وأحيا مهرجانات عديدة في لبنان قبل أن تضطره الحرب اللبنانية التي اندلعت عام 1975 إلى مغادرة بيروت والتنقل بين العواصم العربية وخصوصا مصر أين أقام صداقات مع نجوم الغناء والموسيقى وشارك في العزف خلف مجموعة من الفنانين المعروفين على غرار الفنانة سعاد محمد. في مطلع التسعينات عاد مجددا إلى لبنان ولكنه لم يلبث أن غادره بعد أربع سنوات ليستقر نهائيا في لندن أين توفي ودفن. لعبت دراسته للموسيقى الغربية وعزفه على الكمان دورا كبيرا في منحه التقنية الملفتة في العزف... غير أن اهتمامه بالموسيقى الغربية لم يحجب إحساسه العالي بالمقامات الشرقية التي برع فيها مما جعله يبدع خلال مشاركته نجوم الغناء العربي العزف... فقد عزف عبود عبد العال خلف سعاد محمد وفريد الأطرش وطلال مداح ووديع الصافي وسميرة توفيق وصباح التي كانت من أشد المعجبين بعزفه إلى درجة تغنيها به في أغنية "جيب المزوج يا عبود" إلى جانب العزف اشتهر عبود العال بإعادة توزيع أغاني العديد من الفنانين العرب كمحمد عبد الوهاب حيث أعاد توزيع أغنيته " جفنه علّم الغزل" وأيضا طلال مداح "وترحل". رحل عبود العال عن سن تناهز ال74 عاما بعد صراع مع المرض ولكنه ترك خلفه تاريخا فنيا حافلا بالإبداعات فقد كان حقا ساحر الكمان والوحيد القادر- لعمق إحساسه الموسيقي- أن يجعل كمانه يغني ويرقص ويبكي في آن واحد... لقد ترك عبود عبد العال تسجيلات كثيرة لمعزوفات من الحفلات الموسيقية التي كان يدعى إليها لعزف أغنيات كاملة على آلة الكمان ومن أهم معزوفاته الخالدة.. "ودارت الأيام".. "لما بدا يتثنى"... "رسالة من تحت الماء"... "يا مسافر وحدك".. "أد الربيع"... "أنت عمري".. "من غير ليه"... "يا خليّ القلب".. والكثير الكثير.