بعد المؤتمر الأممي «دربان 1» الذي استضافته قبل ثماني سنوات مدينة دربان الجنوب إفريقية حول مكافحة العنصرية في العالم... تحتضن جينيف السويسرية غدا الدورة الثانية لهذا المؤتمر تحت اسم «دربان 2»... الذي قرّرت كلّ من إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا ثم إيطاليا مقاطعتها بدعوى أنّ الوثيقة الختامية المنتظر اعتمادها تضمّنت إشارات اعتبرتها هذه الدول معادية لإسرائيل. لقد اتفقت جميع الوفود المشاركة في المؤتمر الأوّل سنة 2001 على إدانة إسرائيل بوصفها دولة عنصرية... وقد خلّفت مقررات ذلك الاجتماع صدى دوليا واسعا بعد أن شخصت الواقع المهين للشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال الصهيوني والممارسات البشعة للجنود ورجال الدّين المتطرّفين تجاه المواطن الفلسطيني. وينتظر أن تنبثق عن اجتماعات الغد في جينيف قرارات تعزّز ما سبق إعلانه من توصيف للانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة في الأراضي المحتلة يضاف لها ما خلّفه الحصار الاقتصادي الجائر المضروب على القطاع من مآس وما تلا ذلك من قتل وتدمير ممنهج ضدّ سكّان غزّة أثناء حرب «الرصاص المسكوب» والتي استعمل خلالها جنود الاحتلال أسلحة محظورة دوليا لإلحاق أكبر ضرر ممكن بالأرض ومن عليها. ورغم صلف هذا الكيان واستخفافه بالقرارات الأممية والاتفاقيات الداعية إلى استئناف المسار التفاوضي لإحلال السلام والإصرار على تكثيف البؤر الاستيطانية التي قطّعت أوصال الأرض الفلسطينية ومواصلة سياسة القتل والاغتيال وتغيير معالم القدس ورفض المبادرات الدولية والإقليمية بما في ذلك المبادرة العربية... لم تتورّع بعض الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية عن مقاطعة «دربان 2» على اعتبار أن إسرائيل فوق الشبهات وليست كيانا عنصريا مقيتا داس بأقدام عساكره كل المبادئ الإنسانية الكونية وكلّ القيم الحضارية. إنّ الموقف الغربي تجاه مؤتمر «دربان 2» بإعلان مقاطعته سيعزز حتما سياسة الابتزاز الإسرائيلية والمماطلة والتسويف تجاه كل التزام بحل المعضلة القائمة منذ عقود... كما سيدفع باليمين الذي يسطّر السياسة الإسرائيلية الحالية إلى مزيد من التطرّف. وهذا الموقف يتناقض كذلك مع الرؤية الجديدة لحلّ الدولتين والتي كرّرها المبعوث الأمريكي الذي يجوب المنطقة حاليا في أكثر من مناسبة. إنّ استخفاف إسرائيل بالحلول المطروحة واصرارها على سياسة التّصعيد في ظلّ وضع دولي يتّسم بقدر كبير من الانفراج ويحتّم على هذه الدّول الغربية رفع الحصانة عن هذا الكيان فقط بل يحتم ممارسة كل أشكال الضغط عليه للإذعان إلى القرارات الأممية والمبادرات الداعية إلى إحلال السّلام بدل اعتباره كيانا غير عنصري وواحة ديموقراطية.