حدثان اساسيان ارتبطا بالمشهد العراقي خلال الايام القليلة الماضية في خضم العودة الخطيرة والمتفاقمة لموجة العنف والتفجيرات الانتحارية في بلاد الرافدين بعد مرحلة من الهدوء الذي سبق العاصفة ليكذب تكهنات المتفائلين بان مخططات التغيير القسري في العراق بدات تاتي اكلها لتؤكد ان المشهد العراقي بكل تناقضاته الحاصلة وصراعاته القائمة في السر والعلن لا تزال مفتوحة على كل القراءات والاحتمالات والتوقعات من السيئ الى الاسوا في ظل تنامي الاطماع المحلية والاقليمية والدولية في ثروات هذا البلد وما يمثله من موقع استراتيجي في منطقة لا تخلو من الحساسية والحسابات وتنوع المصالح والاهداف... اما الحدث الاول فيتعلق بالانسحاب القوات البريطانية من العراق وبانزال العلم البريطاني ليحل محله العلم العراقي رمز السيادة العراقية بعد اكثر من ست سنوات على انجرار بريطانيا وراء الحليف الامريكي في تلك الحرب التي لم تكشف حتى الان عن الكثير من ملفاتها السرية العالقة ودوافعها الاساسية واما الحدث الثاني فيتعلق بطي صفحة شركة "بلاكووتر" وانسحابها الذي دخل نظريا حيز التطبيق بالامس. والحقيقة انه بقدرما يمكن بل وبقدرما يجب ان ترتبط هذه التحولات التي يتوق لها العراقيون ومعهم كل الرافضين لمنطق الحرب ولغة القوة والسلاح بمشاعر التفاؤل بعودة العراق الى اصحابه بقدرما تخترق تلك المشاعرالمزيد من الشكوك ومشاعرالارتياب. نظريا ومنذ الامس تخلص العراق من تبعات عهد "بلاكووتر" سيئة الذكر التي ارتبطت تجربتها في العراق بمصالح تلك الفئة من المحافظين الجدد الذين سيطروا على توجهات الادارة الامريكية السابقة على مدى ثماني سنوات وجعلوا من العراق مرتعا لتحقيق اطماعهم ومصالحهم المتنوعة وعقد الصفقات الوهمية لاعادة اعمار العراق وتحقيق الارباح الخيالية التي امكن لهم اضافتها الى ارصدتهم الخاصة كل ذلك في الوقت الذي كان فيه ابناء العراق يعيشون الخصاصة الا انه عمليا فان شركة "بلاكووتر" التي دخلت العراق بدعوى توفير الحماية للديبلوماسيين الامريكيين قبل ان تتورط في سلسلة من الجرائم البشرية التي استهدفت مدنيين عراقيين تعود اليه تحت غطاء جديد حاملة شعارا مختلفا لتواصل عملياتها الامنية هناك وتنجح في التخلص من ذلك الارث المثقل التي تركته على ارض العراق بعد تورطها في سلسلة من قضايا الفساد وفي الانتهاكات الكثيرة التي تحملها في رصيدها دون مساءلة او محاسبة. وفي المقابل فان انسحاب القوات البريطانية الذي ارادت له السلطات ا الرسمية في لندن ان يكون مناسبة خاصة لابراز الدور الذي اضطلعت به قواتها في العراق والترويج لابعاده الانسانية في المساعدة على انقاذ شعب العراق ونقله الى الديموقراطية الموعودة والفوز بمقتضاه بصك البراءة امام الراي العام البريطاني والعالمي لم يخل بدوره من اثارة نقاط استفهام عديدة حول عقود الاستثمار الموقعة بين حكومة المالكي وحكومة غولدن بروان والتي من شانها ان تؤكد ان المهمة البريطانية في العراق لم تنته بعد ولكنها بدات لتوها لتفتح فصلا جديدا من العلاقات التي تضمن مصالح بريطانيا النفطية في العراق الذي ينتج حاليا مليوني برميل نفط ويمتلك ثالث احتياطات مؤكدة في العالم مصالح المملكة المتحدة الى ما لا نهاية...