«رهان بعض الليبراليين العرب على أمريكا والغرب خاطئ لأن الديموقراطية لا تخدم مصالح الاستعمار الجديد» تونس - الصباح : صدرمؤخرا كتاب سياسي فكري جديد للاستاذ علي المحجوبي المؤرخ والعميد الاسبق لكلية العلوم الانسانية بتونس تحت عنوان: "العالم العربي الحديث والمعاصر تخلف فاستعمار فمقاومة". الكتاب من 280 صفحة من الحجم الكبيروقد نشر بالاشتراك بين دار الانتشار العربي ببيروت ودار محمد علي للنشربصفاقس وقدم فيه صاحبه قراءة تاريخية لتطور العالم العربي منذ مرحلة بدء النهضة الاوربية في العصر الحديث الى الحقبة المعاصرة التي اقترنت في الغرب بالثورات الصناعية والعلمية وفي العالم العربي بانتشار التخلف الشامل الذي مهد لانتصاب الاستعمار وببروز تيارات مقاومة عسكرية وسياسية وثقافية للقوى الاستعمارية وحلفائها من أنظمة دكتاتورية مورطة في الفساد. الكتاب جاء في بابين كبيرين الأول حول استعمار العالم العربي والثاني حول حركات المقاومة للاستعمار..مهد لهما بعرض مفصل لأسباب احتلال الدول العربية الحالية ، التي كان معظمها قبل الحرب العالمية الاولى تابعا كليا أو جزئيا لسلطنة الخليفة العثماني باستنبول ونفوذه. وأطنب الكاتب في تفسير الأسباب الداخلية والخارجية التي أدت الى سقوط الدول العربية بين أيدي القوى الاستعمارية الأوربية في القرن 19 ومطلع القرن ال20 قبل ان تبرز الولاياتالمتحدة وقوى استعمارية جديدة من بينها اسرائيل في النصف الثاني من القرن الماضي عندما دخل العالم العربي في دوامة الصراع المفتوح مع المشروع الصهيوني والقوى الاستعمارية القديمة والجديدة التي تقف وراءه وخاصة الولاياتالمتحدة وبعض العواصم الاوربية وموسكو. قابلية الاستعمار الاستاذ علي المحجوبي بنى كتابه الجديد على نتائج توصل اليها عدد كبيرمن الباحثين والكتاب الوطنيين منذ عقود بينهم الكاتب الجزائري الوطني مالك بن نبي أهمها أن الاستعمار ما كان لينجح في احتلال شعوبنا ودولنا لولا قابليتها للاستعمار.. وفي هذا السياق خصص المحجوبي الفصل الاول من الباب الاول للحديث عن جذور استعمار العالم العربي واسبابه العميقة التي لخصها في عاملين كبيرين أولهما اختلال موازين القوى بشكل صارخ بين الغرب والشرق : تقدم علمي واقتصادي وعسكري في اوربا الصاعدة مقابل تخلف علمي وثقافي واقتصادي وسياسي وعسكري في الامبراطورية العثمانية والمنطقة العربية. وعند قراءته لبقية العوامل التي ادت الى احتلال العالم العربي قدم المحجوبي قراءة تاريخية للتطورات الاقتصادية السلبية التي مرت بها اوربا في القرن 19 عندما برزت حاجيات جديدة بالنسبة لها بعد ثورتها الصناعية من بينها البحث عن أسواق جديدة لسلعها والسيطرة على المواد الأولية والمواد الخام التي تنتجها البلدان الإفريقية والآسيوية ومن بنيها الدول العربية. صمود المقاومة الوطنية عربيا ولعل من بين العناصر المشوقة في كتاب الأستاذ المحجوبي أنه خصص حوالي 120 صفحة منه للحديث عن المقاومة التي واجه بها الوطنيون في كامل المنطقة العربية قوات الاحتلال الأجنبي الفرنسي والاسباني والايطالي والبريطاني ثم الإسرائيلي والأمريكي.. قام المحجوبي بعمل توثيقي جيد لاشكال المقاومة للمستعمر الاجنبي منذ ايام انتصاب الاحتلال حتى اجلاء القوات العسكرية الاستعمارية القديمة في جل الدول العربية.. ومن مميزات الكتاب انه أنصف في نفس الوقت المقاومة الشعبية والرسمية للاحتلال.. وتوقف عند بعض التجارب النموذجية في الصمود الشعبي مثل حركتي الامير عبد القادر الجزائري والزعيم الليبي الكبير عمرالمختار والزعيم المغربي عبد الكريم الخطابي قائد المقاومة الاسطورية ضد قوات فرنسا واسبانيا مجتمعتين قبل أن ينفى ثم يعود الى القاهرة حيث اسس مكتب تحرير المغرب العربي حتى وفاته في 1963.. المقاومة التونسيةوالفلسطينية وقدم الكتاب قراءة موثقة عن دور المقاومة الوطنية التونسية بما فيها صفحات منسية أو مغمورة من الكفاح الوطني الشعبي من الشمال الى الجنوب من القيروان الى قابس وصفاقس.. كما سلط المحجوبي الاضواء على المقاومة الوطنية للاحتلال الفرنسي والبريطاني في المشرق العربي.. قبل احتلال فلسطين وبعده مع تخصيص جزء مهم من الكتاب للتعريف بجذور الصراع العربي الإسرائيلي والأسباب العميقة لاحتلال فلسطين ومراحل المقاومة العربية والفلسطينية لإسرائيل والدور الذي لعبته الولاياتالمتحدة وبريطانيا وحلفاؤهما الغرب. ما أشبه اليوم بالأمس تحت هذا العنوان نشر الكاتب " خاتمة عامة " طويلة للكتاب من حوالي 50 صفحة كانت اقرب الى الخواطر التي تترجم معاناة المثقف العربي الوطني اليوم.. والذي يجد نفسه ممزقا بين واقع التخلف الذي تشكو منه الدول العربية وحرصه على أن يرى المنطقة العربية تتقدم وتخرج من مرحلة الدوران في حلقات مفرغة.. لا أفق لها.. في هذه الخاتمة المطولة وفي الفصل الرابع من الباب الاول الذي اختار له تسمية "العالم العربي والعولمة" قدم الاستاذ المحجوبي قراءة للتحديات الجديدة التي تواجه المنطقة العربية وعلى راسها التخلف العلمي والثقافي والاقتصادي والسياسي والعجز عن بناء انظمة ديمقراطية وطنية تعددية وعن تحقيق الشعارات الوحدوية الطموحة والسوق الاوربية المشتركة.. عودة الاحتلال المباشر كما اعتبر الكاتب ان من ابرز التحديات التي تواجه العرب اليوم الاستعمار الجديد الذي عاد الى المنطقة باشكال مختلفة من بينها الاحتلال المباشرمثل احتلال اسرائيل لفلسطين وشله لقدرات جل الدول العربية المجاورة.. ثم عودة الولاياتالمتحدة الى الاحتلال المباشر للعراق والهيمنة على دول عربية أخرى اقتصاديا وعسكريا وسياسيا.. وفي سياق تقييم دور الاطراف والتيارات السياسية والحزبية والايديولوجية في المنطقة اعتبرالكاتب أن من بين التحديات التي تواجه الجميع اليوم فشل التيارات القومية في مصر بعد هزيمة 1967 والعراق بعد حربي 1991 ثم 2003 وتداخل الديني والسياسي وتزايد تاثير التيارات السلفية المتناقضة المهام والاولويات.. بعد تحالفات بين بعضها مع الولاياتالمتحدة ضد موسكو التي كانت قواتها تستعمر افغانستان أصبحت بعض تلك التيارات في صدراة القوى التي تتصارع مع الاستعمارالجديد والصهيونية.. بما يعقّد مسار المقاومة للاحتلال الاسرائيلي والغربي لفلسطين والاراضي العربية.. لكن الكاتب يضل رغم ذلك مقتنعا بعدة ثوابت من بينها أن الكلمة الاخيرة ستكون للمقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية والعربية.. وأن الهدف من ابراز العديد من النقائص والثغرات في الواقع العربي الراهن ومن بينها التخلف الثقافي والاقتصادي وغياب الديمقراطية والشفافية والحكم الرشيد هو البناء..وتحديد المسؤوليات لاستخلاص العبرمن الماضي.. دفاعا عن حرية والكرامة والارض. أمريكا واوربا لا تريدان الديمقراطية للعرب وقلل الباحث علي المحجوبي من جدية دعوات الولاياتالمتحدة واوربا الى الاصلاح السياسي والديقراطية في العالم العربي.. واعتبرأنها دعوات غيرصادقة.. لأن الديمقراطية لا تخدم مصالح المستعمرين القدامى والجدد.. ولو كان الاستعمارصادقا لاقام الديمقراطية خلال احتلاله للمنطقة.. لكنه رفضها لان علاقاته بدولنا وشعوبنا هي علاقة مصالح وابتزاز وليست علاقة مبادئ.. واعتبر الاستاذ المحجوبي أن: رهان بعض الليبيراليين العرب على امريكا والغرب خاطئ لان الديمقراطية لاتخدم مصالح الاستعمار الجديد..ولا يمكن أن يساندها قولا وفعلا.. والحل في نظره في الاعتماد على النفس.. يمكن توجيه ملاحظات نقدية كثيرة للكتاب شكلا ومحتوى.. ومن حيث منهجيته العلمية ونوعية المصادروالمراجع التي اعتمدها لتبرير بعض الاستنتاجات لكنه وثيقة مهمة تستحق القراءة والتعليق.. تضاف الى سلسلة كتب الاستاذ المحجوبي العلمية والتاريخية ومحاولاته التاليفية السابقة.