تونس الصباح موسم الصيف وخاصة شهر اوت يشهد ذروة حفلات الزواج فالكل يفضل هذه الفترة من السنة للزواج واليوم ورغم تواصل هذه السنة الا ان عدد المقبلين على الزواج هو الذي تغير ولم يعد كالسابق وهو ما تثبته الاحصائيات الرسمية الخاصة بعدد العازبين والعازبات في سن الزواج وما اصبح يلاحظ من تفاقم لظاهرة العنوسة في صفوف الفتيات كما اصبحنا نتحدث ايضا عن عنوسة الرجال. في هذا الاطار حاولنا تسليط الضوء على علاقة الشاب التونسي بمؤسسة الزواج وطرحنا السؤال التالي هل هي علاقة مصالحة ام عزوف؟ وماذا عن الاسباب اذا كانت الاجابة الثانية وكيف يقيم الباحثون في مجال الشباب انعكاسات هذه المسألة على التوازن النفسي للشاب وللمجتمع ككل؟ البحث في هذا الموضوع لم يكلفنا الكثير من الجهد لاسيما وان الاستشارة الشبابية الثالثة تولت البحث في الموضوع في كما ان نظرة الشباب للحياة الزوجية من خلال نتائج الاستشارة الشبابية الاخيرة كان محور محاضرة قدمها في وقت سابق السيد ابراهيم الوسلاتي المدير العام للمرصد الوطني للشباب وشملت بالدرس والتحليل كافة الجوانب المتصلة بعلاقة الشاب التونسي بمؤسسة الشباب. فماذا عن اهم استنتاجاتها؟ رأي الشباب في الزواج يشير المحاضر الى ان المستجوبين ضمن الاستشارة انقسموا الى قسمين متساويين، فعبر 50% منهم بأنهم لا يفكرون في الزواج، ولاحظ ان السؤال طرح على مستوى التفكير لا الرغبة في الزواج كما جاء في الاستشارة الثانية بينما لا يوجد لهذا السؤال صدى في الاستشارة الاولى. واستنتج ان استشارة 2005 جاءت لتعبر بكل وضوح عن هذا العزوف عن الزواج الذي اصبح مشغلا هاما، وهو مؤشر يدعونا الى التفكير بكل جدية في ايجاد طرق للمعالجة. ويضيف المحاضر ان تونس بتطبيقها لبرنامج التنظيم العائلي حققت فوائد جمة ولكن المجتمع بات على عتبة الشيخوخة وقد تعاني بلادنا ما تعاني منه بلدان الغرب في الوقت الحاضر. ويؤكد التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2004 ذلك حيث بلغ معدل النمو 1,21%، في حين كان في العشرية السابقة 2,35%. اسباب عدم التفكير في الزواج ولمعرفة اسباب عدم التفكير في الزواج طرحت الاستشارة الثالثة، سؤالا عن اسباب ذلك وقد جاءت صيغته كالتالي: ان كنت لا تفكر في الزواج فاذكر السبب الرئيسي؟». وتوزعت الاسباب بين كلفة الزواج، وقد بلغت نسبة المستجوبين في الاستشارة الثالثة 25,2%، وهو ما يمثل ربع المستجوبين. ولعله مؤشر على ارتفاع كلفة الزواج. وتأتي في الدرجة الموالية مسؤولية الزواج كمانع للتفكير في الزواج اذ عبر 19,7% من العينة المستجوبة في استشارة 2005 عن ذلك. اما السبب الثالث فهو تربية الابناء والذي لا يكاد يمثل عائقا فقد عبر عن ذلك 0,8% من المستجوبين في الاستشارة الثالثة ولم يذكر كسبب في الاستشارتين السابقتين. وعبر 54,3% من المستجوبين في الاستشارة الثالثة، عن عدم تفكيرهم في الزواج في باب «سبب اخر» من السؤال، وبالرجوع الى عينة من المستجوبين لمعرفة السبب الاخر تبين انه يتمحور حول جملة من الاسباب لم تخرج عن «اسباب دراسية وصغر السن وعدم ايجاد الدعم اللازم للزواج والبطالة وعدم الحاجة الى الزواج..». والجدول الموالي يبين بوضوح تطور تفكير الشباب في اسباب عدم الرغبة في الزواج. وحول تأخر سن الزواج يضيف مدير المرصد الوطني للشباب ان ارتفاع المستوى التعليمي والثقافي للشاب وللفتاة في تونس وكلفة الزواج ومسألة الحصول على الشغل ومسؤولية تربية الاطفال وتوفير السكن الى غير ذلك من متطلبات الحياة الزوجية العصرية التي لم تعد تقتصر على العمل والاكلة والشرب والانجاب والسكن مع الاباء فقط بل تحتاج ايضا الى المغالبة اليومية لمتغيرات الحياة ومواكبة التقدم وتحدي عصر التكنولوجيات الحديثة والتعامل معها، مما حتم تأخر معدل سن الزواج. كيفية اختيار الشباب لزوج (ة) المستقبل: يقول المحاضر في هذا الإطار أن اعتماد الاختيار الشخصي للقريب بنسبة 85,7% في استشارة 2005 لافت للانتباه بينما جاء اختيار العائلة في المرتبة الثانية بنسبة بعيدة كل البعد عن الاختيار الشخصي إذ بلغت 13,8% وعبّر 0,1% من المستجوبين عن اختيار الزوج (ة) من خلال الاعلانات الصحفية وهي نسبة لا تذكر لأن المجتمع التونسي لم يتقبل بعد عادة الزواج على هذه الطريقة وسيطرة الاختيار الشخصي في استشارة 2005 تدعم وتؤكد ما جاء في استشارة سنة 2000، حيث برز الاختيار الشخصي بنسبة 85,8%، وقد احتل المرتبة الأولى بنسبة تساوي ما عبر عنه شباب استشارة 2005، وهو تواصل منطقي لتطوّر تفكير الشباب بخصوص مسألة اختيار القرين. مقاييس اختيارالقرين؟ بين مدير المرصد الوطني للشباب في هذا السياق أن الشاب الذي عبّر عن رأيه في اختيار قرينه بصفة شخصية بدرجة أولى له مقاييسه في هذا الاختيار. وبالمقارنة بين استشارة 2000 واستشارة 2005 لاحظ المحاضر أن الشباب أولوا بعض المقاييس مرتبة فضلى بينما لم تحل المقاييس الأخرى إلا في مراتب لاحقة. وأضاف أنه بقراءة الجدول المقارن نلاحظ أن مقياس الأخلاق في الاستشارتين يحتل المرتبة الأولى بنسبة 57,4% في استشارة 2005، و45,6% في استشارة 2000، مع العلم أن المرتبتين الثانية والثالثة تحتلها كذلك الأخلاق وهو مؤشر يدل على أن اغلب الشباب يقدمون السيرة والأخلاق على كل المقاييس الأخرى، والمقصود بالأخلاق هي السيرة الحسنة المطلوبة من الشاب والفتاة في المحافظة على شرف العائلة، والعناية بمتطلباتها، والتضحية من أجلها، تقديمها على النفس، والعناية بالأطفال، الخ... وهي من مقاييس الزواج التقليدي المستلهمة من عاداتنا العربية وديننا الإسلامي الحنيف. وبالتالي فالنظرة السائدة لدى الشباب في اختيار القرين تبقى مرتبطة بالعائلة وبالمقاييس التقليدية التي تقدم السيرة والأخلاق والنسب على بقية مقاييس، ومهما تغير الشباب ومهما ارتفع مستواه التعليمي فقد بقي مرتبطا بالسائد في الوسطين العائلي والاجتماعي. ويضاف الى السيرة والأخلاق مسألة النسب التي تحتل المرتبة الثانية في استشارة 2000 بنسبة 23%، وتحتل المرتبة الثالثة في استشارة 2005 بنسبة 10,1%، وهو مؤشر مرتبط كذلك بالسيرة والأخلاق كمقياس لاختيار القرين ذلك أن النسب يعتبر مرجع السيرة والأخلاق وكثيرا ما ارتبط النسب بالعفة والشرف وحسن التربية، وهي مواصفات تحدد كذلك مقياس الأخلاق. وان احتلت الأخلاق والنسب المراتب الأولى فالعمل يرد في استشارة 2005 في المرتبة الثانية بنسبة 22,2% وفي المرتبة الثالثة في استشارة 2000 بنسبة 12%، ذلك أن مسألة العمل تبقى الشغل الشاغل للشباب إذ يعتبر مفتاح ولوج الحياة الزوجية لأغلب الشباب، وبدون توفيره لا يمكن للزواج أن يتم خاصة وأن الشباب قد عبّر من قبل على اختياره الشخصي لقرينه وبالتالي تحمله الشخصي لكلفة الزواج وتوفير الظروف الملائمة لتحقيقه، بينما نجد الجمال في مرتبة دون الأخلاق والنسب والعمل بنسبة 11,3% في استشارة 2000 وبنسبة 4,8% فقط في استشارة 2005، فجمال القرين محبّذ ولكنه لا يحتل المراتب الأولى، فقد يبدو لنا من الوهلة الأولى أنه سيكون المقياس الأول إلا أنه لم يبرز إلا كمقياس ثانوي لا يعتمد عليه في المراتب الأولى لاختيارالقرين. وأكد في هذا الإطار أن مسألة يسر القرين لم تحتل مرتبة أساسية، فقد عبّر 12,4% من المستجوبين سنة 2000 عن اعتبارهم للوضعية المالية كمقياس من مقاييس اختيار القرين وتدنّى هذا المقياس في استشارة 2005 إذ لم يعتبرها إلا 2,6% من المستجوبين، واحتلت بالتالي المرتبة الأخيرة. وهي مواقف تتماشى مع ترتيب المقاييس السابقة الذكر. وخلص المحاضر إلى أنه بالنسبة المسألة مقاييس اختيار القرين انطلاقا من الاحصائيات الواردة سابقا نلاحظ محافظة مقياس الأخلاق والسيرة على قيمتها في الأوساط الشبابية وتدني بعض المقاييس التي كانت معتمدة في مجتمعنا من قبل كالوضعية المالية والجمال وكذلك النسب الذي كان يحتفظ بدرجة كبيرة في مجتمع الخمسينيات وما قبله. وإن تطوّر تفكير الشباب التونسي في هذه المسألة تطور سليم ومنطقي لا طفرة فيه بحيث لم يفقد في ذلك توازنه، وتعتبر هذه النتيجة مطمئنة لما لمؤسسة الزواج من قيمة في حياة المجتمعات.