تونس الصباح في الوقت الذي يتحرق فيه آلاف التونسيين شوقا الى امتلاك مسكن يأويهم ويشعرهم بالاستقرار والحماية، نجد شركة النهوض بالمساكن الاجتماعية «سبرولس» تشح عليهم بتحقيق هذه الأمنية، رغم الأراضي البيضاء الشاسعة التي هي الآن على ملكها منذ سنوات عديدة.. والتي تصل مساحتها الى 200 هكتار.. الأمر الذي يدعو الى طرح سؤال ملح: ماذا ستفعل هذه الشركة الاجتماعية بتلك الأراضي اذا لم تعالج بها أزمة سكن خانقة تعاني منها الكثير من الأسر الآن، وهل ستحتفظ بها أكثر مما فعلت لتجني من وراء هذه العملية أموالا أوفر مما قد تربحه الآن لو شيدت عليها مساكن وفوتت فيها بالبيع لمستحقيها؟.. ولماذا توصد هذه الشركة إن لم تكن لها غايات ربحية الأبواب امام الراغبين في السكن ولا تروي عطشهم الذي طال، وهي حتى وإن فتحت أحد الأبواب فإن طالبي السكن يفاجأون بأسعار المساكن.. وهي أسعار أبعد مما ان تكون اجتماعية، فقد جاوز بعضها المائة ألف دينار، بل أصبحت أرفع في بعض المناطق على غرار المدينةالجديدة من أسعار المساكن المنجزة من طرف الباعثين الخواص بنفس المواصفات. أراض شاغرة تمتلك شركة النهوض بالمساكن الاجتماعية أراض شاسعة في اقليمتونس الكبرى الذي يشهد طلبا كبيرا على السكن، وفي عدة ولايات أخرى وهي بنزرت وقابس ونابل والكاف والقيروان ومدنين والقصرين.. وتبلغ مساحة هذه الأراضي تقريبا 200 هكتار.. ولعل المثير للانتباه هو أن أغلب هذه الاراضي وقع اقتناؤها منذ ما يزيد عن عشر سنوات. وفي هذا الصدد تجدر الاشارة مثلا الى أن الشركة اشترت منذ سنة 1994 أرض بالمركز العمراني الشمالي لكنها الى غاية الآن مازالت في طور الدراسة.. ونفس الأمر ينسحب على أراض أخرى اقتنتها الشركة في التسعينات من القرن الماضي، ومازالت الى الآن منكبة على دراستها وهي تقع في سيدي داود، وهناك أراض أخرى اقتنتها خلال سنة 2000 وهي أيضا في طور الدراسة وتقع بالحمامات وقرمبالية. ولسائل أن يسأل: كم ستدوم هذه الدراسة؟ وهل يقتضي انجازها كل هذه المدة؟ ومتى سيقع بناء الأراضي التي مازالت على ملك الشركة في المناطق التي تشهد طلبا كبيرا على السكن مثل اقليمتونس.. اذ تشير المعطيات التي بحوزتنا الى أن الشركة تمتلك أكثر من 183 ألف متر مربع في ولاية تونس و6000 متر مربع بمنوبة وأكثر من 171 ألف متر مربع بأريانة وأكثر من 200 ألف متر مربع ببن عروس.. ولا شك أن صيانة هذه الأراضي وحراستها تكلف الشركة الكثير وسيقع تثقيل تلك التكلفة على كاهل من سيشتري المساكن التي ستشيد عليها.. مساكن غالية.. من المسائل الأخرى التي لا تقل أهمية يمكن الاشارة الى غلاء أسعار المساكن الاجتماعية التي تسوقها شركة النهوض بالمساكن الاجتماعية، فرغم أن هذه الشركة أحدثت في أوت 1977 تهدف أساسا الى النهوض ببناء المساكن لفائدة المضمونين اجتماعيا من ذوي الدخل المحدود، فإن الأسعار تطالعنا في مطوية أعدتها الشركة عنوانها «الشركة توفر لكم المسكن اللائق: جودة وأسعار مدروسة» تعطي انطباعا بأن الشركة تتوجه الى فئة المرفهين وليس لذوي الدخل المحدود.. اذ نطالع في قائمة المشاريع المعروضة للبيع أن ثمن المسكن الاقتصادي الجماعي بإقامة البر بالمدينةالجديدة3 ببن عروس يصل الى 90 ألف دينار، وحسب معطيات جديدة فقد وصل السعر الى 110 آلاف الدنانير. ويصل سعر المسكن من الصنف الاقتصادي نصف جماعي بإقامة الياسمين بوادي الليل منوبة الى 71 ألف دينار.. واذا اعتبرنا أن السواد الأعظم من الموظفين من فئة الاطارات يلتجئون الى البنوك لاقتناء قروض سكنية، فإن المبلغ المالي الذي توفره لهم البنوك بعد النظر في بطاقات خلاصهم وأجورهم لا يفي بالحاجة.. فعلى سبيل المثال اذا كان الموظف يتقاضى 750 دينارا شهريا فإنه يستطيع الحصول من البنك على قرض لا يتجاوز 36 ألف دينار.. ويبدو من خلال النظر في اسعار شركة النهوض بالمساكن الاجتماعية «سبرولس» أن هذا المبلغ لا يكفي لاقتناء نصف مسكن، وقد لا يكفي في بن عروس لاقتناء غرفة واحدة في مسكن اقتصادي جماعي. وأمام هذه المفارقة، فإن «سبرولس» مدعوة الى مراجعة أسعارها، لأنها أحدثت لخدمة الفئات محدودة الدخل ولتمكينها من مساكن محترمة وبأسعار معقولة.. كما أن وزارة الشؤون الاجتماعية والتضامن والتونسيين بالخارج مدعوة أيضا الى التدخل بصفتها وزارة الاشراف وباعتبارها المكلفة بالمساهمة في وضع وتحديد السياسات العامة في ميدان السكن الاجتماعي وبالمساهمة في برمجة ومتابعة المشاريع المنجزة في اطار النهوض بالسكن الاجتماعي.. عليها التدخل لاستحثاث نسق انشاء المشاريع السكنية على الأراضي البيضاء والتدخل أيضا لجعل الأسعار اجتماعية لا «نارية»، كما هو عليه الحال الآن.