الانفلونزا او مرض العصر يزحف على منطقتنا العربية دون ان تتمكن منظمة الصحة العالمية هذه المرة وهي التي دابت على اطلاق صفارات الانذار من رصد الظاهرة اوحتى من تحديد الاسباب الكامنة وراءها اوالتفكير في التصدي لها برغم مخاطرها المتفاقمة من سنة الى اخرى... والامر طبعا لا يتعلق هنا بانفلونزا الطيور ولا بانفلونزا الخنازير التي لم تعد تتخلف عن اهتمامات مختلف المواقع الاخبارية ولكن بنوع قديم جديد من الانفلونزا التي لا تقل خطورة عن سابقاتها وهي التي تهدد في حال استمرارها حاضر ومستقبل الشعوب العربية التي باتت تعاني من نزيف الكفاءات والعقول والادمغة المهاجرة وفق ما كشفه تقرير حديث لجامعة الدول العربية بدعم من صندوق الاممالمتحدة تحت عنوان "هجرة الكفاءات...نزيف ام فرص؟" ولعله من المهم الاشارة الى ان الجامعة العربية التي طالما خيبت الامال في اكثر من مناسبة حرصت هذه المرة على وضع الاصبع على الداء في منحها الاهتمام لواحدة من اهم الملفات العالقة في العالم العربي على ان ذلك لا يعفي واضعو التقرير من مواجهة الكثير من الانتقادات بسبب التغافل المقصود او غير المقصود عن الاسباب الحقيقية التي تدفع بالشباب من اصحاب الكفاءات العلمية الى هجرة اوطانها واختيار الغرب ليكون وجهته المفضلة لاستثمار قدراتها العلمية وامكانياتها وخبراتها وهو اختيار له بالتاكيد اسبابه ومبرراته التي تتجاوز الاسباب المادية وحدها في دفع تلك الكفاءات الى ان ادارة ظهرها للبلد الذي لم يدخر جهدا في تعليمها وتكوينها ولكنه عجز لسبب او لاخر في الحفاظ على تلك النخبة من اصحاب الشهادات العلمية التي انتجها للاستفادة منها واستثمارها... كثيرة هي الاسباب والدوافع التي قد تغري اصحاب الكفاءات العلمية بالهجرة الى الغرب وهي بالتاكيد اسباب لايمكن ان تخفى على اعين المسؤولين في العالم العربي الذين يملكون اسباب وقف النزيف او على الاقل الحد منه... ولاشك انه عندما يكشف تقرير اقليمي لجامعة الدول العربية عن وجود اكثر من مليون من اصحاب الشهادات العلمية من مختلف الاختصاصات في الغرب فان الامر لا يمكن ان يدفع الى الحياد او يدعو الى التجاهل والصمت ولاشك ايضا انه عندما يؤكد التقرير ان نصف هذه الكفاءات تنتمي الى منطقة المغرب العربي فان الامر يجب ان يكون ناقوسا للخطر يستوجب التوقف ويدعو للتفكير بدل المرة مرات في تداعيات وابعاد المشهد بكل ما يمكن ان يخفيه في طياته من اشارات ورسائل لاحول حقيقة الاسباب والدوافع التي من شانها ان تدفع بهذه الكفاءات للهجرة ولكن ايضا وهذا الاهم حول كيفية وقف هذا النزيف البشري للكفاءات العربية التي يشرّع امامها الغرب كل الابواب بل ويسعى لاقتناصها ويجتهد في تبني القوانين والتشريعات التي تساعد على استقدامها والاستفادة من خبراتها وقدراتها بما يساعد في تقدم تلك المجتمعات ورقيها فيما يسعى في نفس الوقت الى بذل كل الجهود لوقف الهجرة غير الشرعية والتصدي لكل المحاولات التي يقوم بها غيرهم من اللاهثين وراء الحلم الاوروبي والباحثين بسواعدهم عن فرصة افضل للحياة في القارة العجوز... لقد كانت ولاتزال قضية هجرة الادمغة من اكثر القضايا المستعصية في العالم العربي رغم كل انواع المخاطر السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها التي يمكن ان تفرزها وليست هذه المرة الاولى التي تحظى فيها الظاهرة بالاهتمام فقد سبق لتقارير التنمية البشرية الصادرة عن الاممالمتحدة ان سلطت الاضواء عليها من قبل ان تدرج ضمن غيرها من التقارير والبحوث التي تملا ارشيف الجامعة العربية والوزارات العربية المعنية... وسيكون من المؤسف ان يؤول تقرير جامعة الدول العربية الخاص بهجرة الكفاءت العربية الى ما الت اليه تقارير سابقة لا تزال في انتظار اسثمار نتائجها ويجعل من الكفاءات العربية منارة في تقرير مصير شعوبها بعيدا عن التضييقات التي تعطل العمل الفكري وترهقه وفي منأى عن كل انواع الضغوطات والابتزازات التي من شانها تحويل تلك النخبة من اهل العلم والفكر والثقافة والبحث الى ابواق للدعاية لاهم لها سوى ارضاء المسؤولين وكسب ودهم...