تونس - الصّباح: أغطية، زرابي، ثلاجات، دراجات هوائية، أحواض... وغيرها كلها أغراض اختلفت أنواعها وأحجامها لتحشر داخل سيارات كادت لا تترك لراكبيها مكانا. هكذا تبدو سيارات الجالية التونسية بالخارج عند عودتهم إلى أرض الوطن وفي أول لقاء لهم بالبلاد عبر ميناء حلق الوادي أين اصطفّت سياراتهم المثقلة بأغراض عدة لتطرح أكثر من سؤال. أحمال كثيرة، أثقلت كاهل السيارات حتى كادت عجلاتها المطاطية تتفجر لثقل الحمولة. «أيمن» بدا حائرا ومنهمكا للغاية وهو يرتب أغراضه وحاجياته وحيرته مبررة فأدباشه عدة لا تستوعبها سيارته الصغيرة وفسّر هذا الكم الهائل من الدراجات قائلا: «أجلبها بناء على توصية من أحد أقاربي وقد تحملت مشقة كبيرة في ذلك ولكنها رغبتهم ولا بد من تحقيقها..» وعلى جانب الطريق كانت هناك سيدة واقفة ألقت بجانبها أغراضها من معدات كهرومنزلية وزرابي وأغطية وأحواض... ولكن ما يلفت الانتباه هو جلبها لمقتنيات خشبية وتحف أخرى تستعمل للزينة، وفسرت جلبها لمثل هذه الأشياء أن لها قريبة ستتزوج موفى هذا الشهر وأصرّت على تأثيث منزلها من بلد اقامتها لاقتناعها بجودة المنتوج هناك. كريم العبدلي، شاب في مقتبل العمر قدم من مدينة تولون انغمس يحزم أمتعته التي تناثرت هنا وهناك واتخذ من سقف سيارته مستقرا لترتيب حقائبه التي اختلفت الوانها واختلطت لتعلن ميلاد كومة من الأغراض المستعملة من معدات منزلية وميكانيكية وأخرى كهربائية، وعن الدواعي التي اضطرته لجلب كل هذه المعدات خاصة أنه قد لا يحتاجها خلال عطلته الصيفية أفادنا أنه تحمل عناء جلبها قصد تأثيث منزله.. أدوات مستعملة ولكن هي كلها معدات وحاجيات توفرها السوق التونسية بامتياز ومتوفرة وبأسعار معقولة في مختلف الفضاءات التجارية غير إن المهاجر التونسي يعمد الى جلب أبسط الحاجيات متوهّما أنها أكثر جودة من الانتاج المحلي من جهة وأقل تكلفة من جهة أخرى حتى وإن كانت مستعملة. وفي هذا الصدد تقول السيدة نعيمة: «صحيح أن هذه الأدوات مستعملة لكنها تعتبر ثمينة للغاية حيث أنها تنتمي الى ماركات مشهورة ولا يمكن أن نجد مثلها في تونس وقد نجد ما يشابهها في الجودة ولكن تبقى تكلفتها باهظة جدا». تلك الأجوبة المقتضبة والضبابية التي تصور رحلة آلاف الأجيال التي قطعت من أجل بضائع كان بالامكان اقتناؤها من أسواقنا المحلية لو تحلى مواطنونا بالخارج بالوعي بقيمة منتوجنا بالداخل. غير أن للواقع أوجه عديدة لنرى ذات البضائع مكتسحة الأسواق التونسية، وما ان تطأ قدمك هذه الأسواق حتى تعترضك على حافة الطريق بضائع على كل لون ونوع تعرف للوهلة الأولى أنها للجالية التونسية المقيمة بالخارج من العبارات الفرنسية التي يستعملها بائعوها، لتصبح سياراتهم محلات للعرض والبيع: ملابس لكل الفصول منتشرة هنا وهناك على هذه الواجهة المستحدثة، لعب الاطفال معلقة وبضائع أخرى منتشرة على الأرض من آلات الحلاقة إلى الات الغسيل وصولا الى الأثاث المنزلي. مشاهد عبّر عنها سوق حمام الأنف الذي اكتسحته الجالية التونسية بالخارج لتتخذ من الطريق المؤدية اليه مكانا لعرض بضاعتها التي تراوحت بين الجديد والمستعمل. شاب في مقتبل العمر أخد جانبا من الطريق ليعرض فيه مجموعة من الأدوات مثل قارئ MP3 وDVD وغيرها التي كانت مصنفة بين الجديد والمستعمل وكما جاء على لسان هذا الشاب فإن كل هذه البضائع تم جلبها من الخارج وهي ذات جودة عالية وبأسعار يعتبرها مقبولة مقارنة بالأسعار الموجودة في السوق المحلية. وانتصبت على مقربة منه خيمة مكشوفة الجوانب نقى صاحبها بضاعته التي انهمك في ترتيبها من أشعة الشمس الحارقة: هي أحذية ملقاة على الأرض تنوعت أشكالها وأحجامها واختلفت أصنافها بين الصيفي والشتوي. وعلى بعد خطوات منها يلفت انتباهك مجموعة من المارة التفت حول فسيفساء من قطع الديكور اختلفت أحجامها وأشكالها ومعادنها، ينادي بائعها بزهد ثمنها من جهة وبرونقها الأوروبي من جهة أخرى. وللبضائع الكهرومنزلية نصيب وافر في هذا الاستعراض حيث تجد نفسك أمام مجموعة من الغسالات والثلاجات وآلات الميكرووند، تراوحت ماركاتها بين المتداولة في أسواقنا المحلية والماركات المجهولة لدى أغلبنا لتجد صاحبها وهو رجل في الثلاثينات من عمره يصمم على جودتها محاولا اقناع أحد الراغبين في اقتنائها بمدى جودتها ونجاعتها. هكذا هو الحال في سوق حمام الأنف الذي يتكرر فيه أسبوعيا السيناريو ذاته بين مقبل على بضاعة يجهل هويتها وبائع يتكبد عناء تفسير جودتها بعبارات مزدوجة بين الفرنسية والعربية، وبغض النظر عن أسعارها التي تبقى معقولة نسبيا فهي تعد منافسة للبضائع التونسية وكلها تدخل في دوامة التجارة وجلب الحريف واغرائه بجودتها وقيمتها باعتبارها من الخارج.