تحتاج الأوضاع المقلقة أحيانا إلى أخذ مبادرات قد تبدو للوهلة الأولى ضربا من ضروب المبالغة والحماسة الفائضة، وننسى أن القلق الحاصل بحكم الوضعية الإشكالية والمتأزمة التي أفرزته، يستوجب علاجا قويا يستند إلى آليات دفاع خارقة للعادة تفتك بالظاهرة المنتجة للقلق ولصيحات الفزع. ولا يخفى على أحد الدرجة القصوى من القلق التي أحدثتها دراسة حكومية أقرت بأن التونسي يقرأ ثلاث دقائق فقط في المتوسط للمطالعة يوميا مقابل أكثر من ساعتين لمشاهدة التلفزيون .وقد شملت حالة القلق هذه كافة الأطراف المعنية بالشأن التونسي سواء كانت رسميّة أو تنتمي إلى النخب الفكرية والثقافية بجميع أطيافها. وإذا ما قارنا الدقائق القليلة التي يخصصها التونسي للمطالعة، بمعدل القراءة في بلدان عربية أخرى فإن قلقنا نحوها يتضاعف. ذلك أن التقرير الصادر عن الأممالمتحدة حول التنمية البشرية عام 2008 يشير إلى أن اللبناني يخصص عشر دقائق يوميا والسعودي 6 دقائق والمصري 9 دقائق أي أننا في تونس نقرأ ثلث المعدل الهزيل للقارئ اللبناني ونصف الرقم المفجع الذي يضبط نصيب القراءة في يوم المواطن السعودي. وتستدعي منا مثل هذه المقارنات البسيطة المضاعفة للقلق أن نتوخى استراتيجية جريئة وذات مبادارت وقرارات استثنائية. وفي هذا السياق نعتقد أن علاقة التونسي المتدهورة مع القراءة تستلزم جهدا مكثفا لحصول المصالحة أو بعض القليل منها. وقد يكون التفكير في جعل مكتبات المطالعة العمومية مفتوحة طيلة ساعات اليوم ،يُحرض على القراءة مع زيادة عدد ساعات عمل مكتبات المعاهد العليا والكليات والجامعات وأن لا تغلق في أيام العطل خصوصا أن الطلبة والباحثين عموما ينتهزون أيام العطل للتقدم خطوات في بحوثهم. إن الدقائق المفجعة لقلتها تفرض على المهتمين بوضعية القراءة في بلادنا تبني عدة مبادرات ثورية وغير عادية فنحن في حالة أزمة حقيقية تجعل مستقبل المعرفة والعلم والانفتاح غامضا باعتبار أن الذي لا يقرأ ولا يراهن على المعرفة ومن لا يتخذ من الكتاب خير جليس، هو شخص من السهل جدا اختراقه بالأفكار الهدامة والضارة لصحة المجتمع التونسي ككل. ذلك أن ارتفاع معدل المطالعة الضمان الوحيد لوجود الحصانة اللازمة ضد كل الآفات و المعدل المثلج للصدور هو حجتنا الفريدة في تصورأن المستقبل مشرق كما المعرفة وآفاق النور التي تأخذنا إليها القراءة فنصبح أكثر عمقا وكفاءة في فهم الحياة والإنسان والآخر.