من وجهة نظر بعض وسائل الاعلام في تونس كان حفل الفنانة وردة الجزائرية في قرطاج خارجا عن الموضوع، فقد خاب أمل الحاضرين حسب تصريحاتهم في أن يعيشوا صفحة من الزمن الجميل وأن يستيعدوا بعضا من رحيق الشباب، لأن وردة لم تكن في يومها ولا عامها ولا في عقدها، فخانها صوتها، بل وخذلتها السنون. ولكن من وجهة نظر بعض القنوات العربية، فإن حضور وردة هذا العام كان امتيازا تونسيا، فقد صرح الجمهور أنه عاش لحظات مسروقة من العمر الجميل، فكان الحفل مقايضة عادلة بين مهرجان استعاد بعضا من هيبته وجمهور استرجع قليلا من الأحاسيس الهاربة.. الذين اقتطعوا التذكرة الباهظة ليلتها كانوا يدفعون مقابل رحلة في الزمن تأخذهم الى شبابهم، فيسترجعون بعضا من نضارة الماضي، ولا شك أن المهرجان كان يدرك نقطة الضعف هذه فاحتسب ذلك في ثمن السهرة... كمن يبيع مع قارورة العطر كثيرا من الحلم ومع قطعة الشيكولاطة قليلا من الوهم.. فيشتري الناس الحلم قبل العصر والوهم قبل الشيكولاطة.. ولكن اذا صدقنا وسائل الاعلام التونسية، كان على وردة أن تتقاعد منذ سنوات، وما كان على المهرجان أن ينساق وراء فكرة استدعاء الماضي من غيوبته، لأن خيبة أمل الجمهور تجاوزت المستوى الفني المهلهل لتوقظ لدى هؤلاء الباحثين عن الزمن الجميل الحقيقة، فلا شك أن كل واحد منهم قد خرج يومها من المسرح الأثري وهو يرى بوضوح أكبر تجاعيد روحه وبياض شعره في مرآة الوقت. إننا إزاء وجهتي نظر مختلفتين: نصف الكأس الفارع ونصف الكأس الملآن، نصفين لم يلتقيا معا وهما في الأصل لا ينفصلان.. فما الذي يدفع بعض وسائل الاعلام الى القضاء على التنوع والاختلاف والتفاني في صياغة رأي واحد أحد؟.. قد يكون لذلك تفسير بسيط ومباشر يتعلق باختلال في التعاطي الحرفي مع الموضوع الصحفي والانسياق التلقائي أو المقصود وراء وجهة النظر الأكثر تلاؤما مع وجهة نظر القناة ذاتها.. ولكن، القراءة الأعمق الظاهرة تقضي الى أن وسائل الاعلام التي هي في الأصل مرآة الرأي العام هي مع الأسف أميل ما الى ثقافة الاجماع، بل انها مهيأة سلفا للرؤية بعين واحدة بدل اضاءة المشهد الثقافي بألوان الطيف المختلفة والحال أن مقاربة المسائل بمنطق الثواب والعقاب والصواب والخطإ والفضيلة والرذيلة أكبر عدو يقف في وجه التعددية.. عامر بوعزة