من البديهي انه لا يمكن تدوين وقائع اولى سنوات الاستقلال على أساس انها كانت وحدة زمنية متجانسة، ولابد اذن منهجيا من تجزئة تلك المرحلة انطلاقا من سنة ابرام اتفاقيات الحكم الذاتي او الاستقلال الداخلي يوم 3 جوان 1955 والتي أفضت الى بروتوكول الاستقلال التام يوم 20 مارس 1956، ومن ثم تدوين مستجدات الفترة التي سبقت اعلان الجمهورية يوم 25 جويلية 1957 والانطلاق بعد ذلك في تدوين وقائع اولى سنوات الجمهورية حتى 1959، سنة اصدار الدستور وضبط النمط الذي ستباشر به الدولة الحكم وهو ما سيبلوره في مرحلة لاحقة اول مؤتمر يعقده الحزب الحر الدستوري التونسي في عهد الاستقلال وهو مؤتمر سوسة الذي انعقد يوم 2 مارس 1959 تحت شعار «من نصر الاستقلال الى نصر الازدهار». لاجدال في أهمية الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي أقدمت عليها حكومة الاستقلال رغم الصعوبات التي جعلت النظام يفضل التعامل معها بمنطق الحزم، لاسيما وان الغلبة كانت لانصار تعزيز صلوحيات السلطة التنفيذية منذ انكباب المجلس التأسيسي على صياغة نمط الحكم المناسب. واذا كانت طبيعة المرحلة هي التي املت على حكومة الاستقلال النهج الذي انتهجته لمجابهة العديد من الوضعيات الشائكة كتصفية المعارضة اليوسفية او فرض الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي كان من الصعب على بعض الفئات او العقليات قبولها باللين والاقناع، فانه منذ انتخابات المجلس القومي التأسيسي يوم 25 مارس1956 كان هناك اتجاه واضح لاحتكار السلطة وتجميعها بين يدي الرئيس الحبيب بورقيبة، حتّي قبل تكليفه برئاسة الجمهورية يوم 25 جويلية 1957، اي في الفترة الانتقالية التي تولى فيها رئاسة الحكومة يوم 14 أفريل 1956 في عهد الأمين باي الذي ظل جالسا على العرش الحسيني رغم تجريده من كل صلاحية ذات بال قبل خلعه يوم 25 جويلية 1957. المسك بزمام الأمور ومنحى التشديد بالرجوع الى الملابسات التي عاشتها تونس في تلك السنوات، يمكن ايجاد ما يبرر حرص الحزب الحر الدستوري التونسي على ان يمسك هو والحكومة بزمام الأمور لكثرة الضغوطات والخصوم في الداخل والخارج (اليوسفيون - الشيوعيون - العائلة الحسينية - اصحاب الحنين الى فرنسا - غلاة الاستعمار من بقايا المعمرين - احتضان تونس للثورة الجزائرية وانتهاك حرمة حدودنا في أكثر من مرة من قبل القوات الفرنسية بدعوى ملاحقة الثوار الجزائريين الذين اتخذوا من المناطق الحدودية قواعد خلفية آمنة - انحياز المشرق وخاصة القاهرة الى الزعيم صالح بن يوسف واطلاق العنان لحملات دعائية تشهيرية بالزعيم الحبيب بورقيبةالخ).. كانت هناك العديد من الجبهات التي كان انصار الزعيم الحبيب بورقيبة يبترون بها سياسة القبضة الحديدية ووضع كل الصلاحيات بين يدي رجل واحد "والحقيقة ان دستور 1959 كان وضع بالقياس الى رجل له في الأمة منزلة غير عادية، وبالفعل فان النص الذي اعد يومئذ ليكون دستورا للدولة، إنما كان مرتبطا بجملة من الظروف التاريخية تميّزت بها تلك الفترة من حياتنا القومية، فتونس إذّاك لاتزال حديثة العهد بالاستقلال، لم يمض وقت طويل على خروجها من غياهب الاستعمار، فهي لاتزال تكافح من أجل تجسيم استقلالها والقضاء على مخلفات الاستعمار في مختلف المجالات وقواعد الدولة لاتزال هي ايضا حديثة العهد، محتاجة الى مزيد من التدعيم في حين كانت الدولة تواجه مسؤوليات كبرى في الداخل والخارج على السواء، واذا اضفنا الى كل ذلك انعكاسات حرب الجزائر، أدركنا ما كان عليه الظرف من دقة وما تكتسيه مسؤوليات الدولة من تعقّد، وبذلك ندرك ايضا الأسباب التي من أجلها أسند الدستور الى رجل واحد هذه السلطة الواسعة التي يتمتع بها رئيس الدولة" (من التقرير العام الذي قدمه نويرة الأمين العام للحزب الاشتراكي الدستوري الى مؤتمر الحزب يوم 11 اكتوبر 1971). "النظام؟! أنا هو النظام!" غير ان التمادي في سياسة التشدد حتى بعد تجاوز عراقيل اولى سنوات الاستقلال هو الذي استرعى اهتمام العديد ممن انكبوا على دراسة مراحل تطور النظام السياسي في تلك الفترة. وكثيرا ما تردد في أكثر من مرجع، التصريح الشهير الذي ادلى به الرئيس الحبيب بورقيبة في بداية الستينات الى الكاتب الصحفي الفرنسي جون لاكوتور في اجابته عن سؤال يتعلق بطبيعة النظام السياسي في تونس "النظام؟! انا هو النظام!" واكثر من ذلك، فقد بدات مسألة الرئاسة مدى الحياة تشق طريقها في الأذهان منذ امد يعود الى بداية الاستقلال وانتخابات المجلس التأسيسي فيما يخص رئاسة الدولة، والى مؤتمر سوسة عام 1959 فيما يخص رئاسة الحزب مدى الحياة وهو ما أكده الرئيس بورقيبة نفسه في كلمة القاها اثر انتخابه بالاجماع رئيسا للحزب في مؤتمر 1959 "... منذ حين اعلمني رئيس المؤتمر ان هناك اقتراحات عديدة قدمت اليه تهدف الى منحي خطة رئيس الحزب مدى الحياة كما ان اقتراحات مماثلة قدمت للمجلس القومي التاسيسي بخصوص البند الوارد في الدستور عن رئاسة الجمهورية وطالب اصحابها بانتخابي رئيسا للجمهورية مدى الحياة لكني أجبت رئيس المؤتمر السيد المنجي سليم الآن، مثلما أجبت منذ اسابيع رئيس المجلس القومي التاسيسي السيد جلولي فارس باننا ندخل اليوم عهدا جديدا لوضع اسس الدولة، فلا نريد ان نستهل اعمالنا بتدبير لا يخلو من شذوذ، والأفضل ان أكون رئيسا مثل كل الرؤساء حسب القواعد القانونية المتعارفة، سواء بالنسبة للحزب او الدولة فأكون رئيس الحزب حسبما ينص على ذلك النظام الداخلي اي للمدة القانونية التي ما بين المؤتمر والمؤتمر المقبل وأكون ايضا رئيس الدولة حسبما يقتضيه الدستور" (مؤتمر النصر - نشر كتابة الدولة للشؤون الثقافية والأخبار 1971) على عكس ما هو شائع في بعض المصادر التي تناولت تلك الفترة من تاريخ تونس، فإن تباين المواقف ووجهات النظر بين مناضلي الحزب حول نسق الحريات داخل الجهاز، وطبيعة نظام الحكم، لم يكن وليد موتمر 1971، وانما ظهرت البدايات منذ مؤتمر 1959، وان كانت محتمشة خلافا للضجة التي ستحدث في مؤتمر 1971 عند تفجر الخلافات وخروج الانشقاقات حول المسألة الديمقراطية الى العلن أول حكومة بعد إعلان الجمهورية عقد الرئيس الحبيب بورقيبة يوم 29 جويلية 1957 ندوة صحفية بقصر السعادة بالمرسى اعلن فيها عن التشكيلة الحكومية الجديدة "لقد تمكّنا من فض الأزمة الوزارية في أمد قصير وتقرّر ان يكون المسؤولون عن الوزارات كتاب دولة مسؤولون مباشرة لدى رئيس الجمهورية وأحدثنا كاتب دولة للرئاسة مكلفا بتنسيق اعمال بقية كتاب الدولة وكذلك بشؤون الدفاع الوطني وهي الخطة التي سيضطلع بها السيد الباهي الأدغم". * كاتب دولة للشؤون الخارجية الصادق المقدم * كاتب دولة للعدلية، احمد المستيري * كاتب دولة للداخلية الطيب المهيري * كاتب دولة للمالية الهادي نويرة * كاتب دولة للتجارة والصناعة عزالدين العباسي * كاتب دولة للفلاحة مصطفى الفلالي * كاتب دولة للأشغال العامة والاسكان والتعمير اندري باروش * كاتب دولة للبريد والبرق والهاتف رشيد ادريس * كاتب دولة للثقافة الوطنية الأمين الشابي * كاتب دولة للصحة احمد بن صالح * كاتب دولة للشؤون الاجتماعية محمد شقرون * وكيل كاتب دولة للارشاد والاخبار البشير بن يحمد * وكيل كاتب دولة للشباب والرياضة عزوز الرباعي * وكيل كاتب دولة للمشروع والتصميم عبد السلام الكناني * ادارة ديوان رئيس الجمهورية عبد الله فرحات