مرّة أخرى يقف التونسي أمام اختيار يتطلب وعيا كاملا بالمرحلة واعترافا بواقعيّة الامور ومنطقيّة الرؤية، انطلاقا من الحياة المعاصرة التي تعيشها تونس العريقة في الرقيّ والتمدّن. والتي تحيل على إسهامها الحضاري الرفيع في الفكر الانساني الكوني الذي تحتذي بها الاجيال الحاضرة وتنسج على منواله. ممّا يجعل الاخر ينظر بإجلال وإكبار لهذا البلد الذي يعيش النقلة النوعيّة، التي تتواتر فلا تستطيع معها إلاّ أن تقول إنّها النموذج التنموي المتحرّك الانساق نحو الصعود الدائم إلى أعلى مراتب الرقيّ والتطّور. وهي اليوم تعيش على وقع حدث يجعلها تبرز مدى وعي شعبها بالرهانات التي تنتظره، وتنبني على حسن اختياره وقدرته على التمييز بين الغث والسمين والواقع والمتخيّل والحقيقة والمجاز. إنّ الاختيار عند التونسي اليوم سينطلق من ثقافة إنسانيّة موضوعيّة بنّاءة، تمكّنه من التكيّف مع التحوّلات العميقة التي تنتظر البلاد وتستفزّ المواطن العادي أو المنتمي إلى المنظمات النقابيّة والحقوقيّة والطلابيّة والجمعيات والمنظمات بكل أصنافها وتشكّلاتها إلى التعبير عن إنتمائهم لتونس، بعد أن فهمت التشكيلات السياسيّة المشاركة في الانتخابات عمق المسؤوليّة وضرورة تحمّل أعباء الاختيار عند التوجّه نحو صندوق الاقتراع. فنحن سنعايش عن قرب إحدى تجليّات الممارسة الديمقراطيّة في أرقى مظاهرها. ونعني هنا الاحتكام لعمليّة الاقتراع في غياب هيمنة اللون السياسي الواحد. وذلك في بلد تتفاوت فيه درجات الجاهزّية لدى الاحزاب والقدرة على تعبئة القواعد ورصّ الصفوف. وقد ارتفع نبض الحديث عن قدرة الاحزاب على توجيه قواعدها وانضباطها للخيارات المطروحة ومكانة مرشحيها وقدرتهم على تحريك سواكن المواطن، ونبض البيانات السياسيّة الانتخابيّة وقدرتها على استفزاز الجماهير واستقطابها. ونحن لا ننفي أن ما حرّضنا على كتابة هذه الاسطر هي المكانة التي أصبحت تحتلها تونس على الساحة الاقليمية والدوليّة وعلى مستوى التنميّة المستديمة في ظلّ التجربة الديمقراطيّة الرائدة، بفضل حكمة رجالاتها الابرار الذين آمنوا بقدراتها وبدماء شهدائها وقداسة أرضها وكذلك وفائنا لهذه الارض الزكيّة وقدرات أبنائها على البناء والاضافة. فقد تعدّدت المراحل التي عرفتها تونس منذ مقاومة الاستعمار إلى تحقيق الاستقلال وبناء الدولة وتطوّرها وفرض مكانتها على المستوى الاقليمي والعالمي. وكان لكل مرحلة رجالاتها فبعد أكثر من نصف قرن على تحقيق الاستقلال وما أملته تلك المراحل من ظروف جاء التحوّل بقيادة الرئيس بن علي يوم 7 نوفمبر 1987 فأحدث تغييرا شمل جميع المستويات التي يرتكز عليها بناء الدولة الحديثة وكانت المرحلة حاسمة وحرجة لما كانت عليه البلاد مما تطلب الشجاعة والنضج وتقدير جسامة المسؤوليّة وتأكيد الارادة السياسية الثابتة في تحقيق رفع الرهانات. فانطلق التحوّل في مغالبة مختلف الصعاب. وبعد أن تجاوزت تونس تلك المحطّة التي حوّلت وجهة البلاد بفضل الفكر المستنير والحكمة الرشيدة من بلد كان قاب قوسين أو أدنى من الانهيار إلى بلد أصبح مثالا يحتذى في كل مفاصل التنمية وعناصر التقدّم. حيث استعاد التونسي الثقة بنفسه وبقيادته ليحوّل الضعف وقلّة الموارد إلى نقاط قوّة يستند إليها في قراءة الواقع ومثابرته على العمل والابداع والسعي إلى الاضافة. فتحوّلت تونس إلى خليّة نحل دائمة الحركة وحضيرة أشغال تذلّل الصعاب وتنافس كبريات البلدان في نموّها وحسن تدبّرها في أشدّ الصعاب التي يعيش على وقعها العلم. فكان الاعتزاز بما تحقّق من مكاسب وانجازات دفعا متواصلا نحو تحقيق المكاسب على جميع الاصعدة والاطر في إطار الثقة بالنفس والقدرة على تخطي الصعوبات ومغالبة التحدّيات. فتحقق خلال عشرينيّة التحوّل بفضل الالتفاف نحو القيادة السياسيّة وخياراتها الرائدة والسديدة للتنميّة واستشرافها للاحداث وقراءة المستقبل، وإيمان المجتمع المدني والاحزاب بالقدرة على تحقيق تطلعاتها مع المرشّح الاوفر حظّا لرئاسة تونس 2009-2014 الرئيس زين العابدين بن علي على القفزة النوعيّة التي بعثت في النفوس الطمأنينة والارادة القويّة على مواصلة مسيرة التحديث والبناء مع رجل التحوّل الذي طالما راهن على قدرة المواطن على رفع التحدّيات وتحقيق الرقيّ. هذا الرجل تميّز بالصدق والواقعيّة والثبات في مواقفه من أمهات القضايا والتواصل مع مواطنيه من خلال الاستشارات المتعدّدة والمتواترة. وقد كانت فترة رئاسته منذ التحوّل مليئة بالانجازات والمكاسب وتحدّي الصعاب والنجاحات التي بيّنت قدرة القيادة على التميّز رغم الظرفية العالميّة الصعبة، خاصّة الفترة النيابيّة بين 2004-2009 والتي شهدت أزمة عالمية أربكت أعتى اقتصاديات العالم. إلا أن حكمة القيادة في تونس وحسن قراءتها للواقع جعلت من هذه الصعوبات نقطة تحوّل في التنمية. فكانت كعادتها قد حوّلت هذه الثغرات إلى نقاط ارتكاز لمزيد تحقيق المكاسب والارتقاء بالاقتصاد الوطني والمحافظة على توازنه. وقد أكّد المتتبعون للشأن السياسي أن الرئيس زين العابدين بن علي قد حقّق برنامجه الانتخابي في السنوات الخمس الماضية بما يزيد عن نسبة 96% حيث تحقّقت الانجازات التي وعد بها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الثقافي والتنموي في الجهات والنهوض بالمرأة والشباب والتعليم والتكوين والصّحة والتغطية الاجتماعيّة وغيرها من محاور التنمية المستديمة. فأدرك الشعب التونسي الذي عايش عشرينيّة التحوّل حقيقة المكاسب التي تحققت في سنوات التغيير والنجاح في تحقيق التطوّر وكسب الرهانات وهو الذي عايش النجاح في كسب التحدّيات واجتياز الازمات التي عرفها العالم بفضل حكمة قيادته ورشدها وقدرتها على تحقيق التميّز، من خلال رسم الرؤى السديدة واستشراف المستقبل وحسن التدبير والتكيّف مع الواقع. وهو اليوم يتطلّع إلى المستقبل من خلال البرنامج الانتخابي الطموح الذي توجه به الرئيس زين العابدين بن علي إلى كلّ شرائح وفئات الشعب التونسي في الداخل والخارج، والذي تميّز بالثقة في النفس والايمان بالقدرة على تحقيق الرهانات والاهداف الوطنيّة الكبرى. وأهمّها النجاح في مزيد تجسيم الارتقاء بالتجربة التعدّدية ومزيد إخصاب التجربة الديمقراطيّة وصيانة قيم حقوق الانسان ومبادئها. فقد استند في خطابه إلى الماضي وواصل في الحاضر مع نسج المستقبل فكانت محاوره منسجمة الخطوط والمضامين متوازنة الافكار عكست على نحو دقيق عمق التجربة في رسم التوجهات الكبرى للمرحلة القادمة في مختلف المجالات التنمويّة السياسيّة والاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة مع تقدير جسامة المسؤوليّة وحجمها في ظلّ الواقع الدولي والاقليمي الذي تتزايد تعقيداته وسرعة تحولاته وتواتر مستجدّاته. إلاّ أنّ الرؤية الاستشرافيّة والاستراتجية التي عوّد بها الرئيس زين العابدين بن علي الشعب التونسي تجعل الثقة المتواصلة تتزايد في المضيّ معه قدما بتونس على درب التقدّم والنماء والتطوير. وقد حقّق شروط التواصل المنطقيّة من خلال العلامات المضيئة التي عرفتها تونس والتي جعلت كل القوى المجتمعيّة تتناغم مع الرئيس بن علي وقيم الجمهوريّة والبرنامج الانتخابي متكامل الاركان وهو ما سيحقّق لتونس مزيد الامن والاستقرار ومواصلة مسيرة التنمية والتحديث في فضاء تميّز بالتسامح والانفتاح على الحضارات الاخرى وتعبئة كل الجهود لبناء تونس الغد على درب المسار الديمقراطي ودعم حقوق الانسان والتضامن، والوعي بهذا الفضاء الرحب الذي يتّسع لكل مؤمن بقدرات هذا البلد وتحقيق مزيد الرقيّ والتفوّق الذي عهدته تونس في كل فترات التحوّل.