بعد خمسة أشهر من التجاذبات والعراقيل، تمكن الرئيس المكلف النائب سعد الحريري من تشكيل حكومة «وحدة وطنية» بمباركة غربية وعربية وسورية غير مسبوقة ليدخل لبنان مع هذه التشكيلة في مرحلة جديدة من الترقب والتحديات. ويرى المطلعون على الشأن اللبناني ان فك قيود هذه الحكومة تم بجهود اقليمية ودولية بين اللاعبين الكبار الذين يملكون مفاتيح اللعبة السياسة الداخلية الشديدة التعقيد والحساسية في لبنان.. نظراً للتشكيلة الطائفية والسياسية الفسيفسائية التي تطغى على المشهد الداخلي اللبناني. وبحسب الملاحظين فان تقاسم الحصص والحقائب والتفاهم على الخطوط العريضة لتوجه الحكومة كي لا تمس «التابوهات» الدولية والاقليمية المحرمة لمصالح الكبار. . جرى طبخها في دمشق خلال اللقاء التاريخي الذي جمع العاهل السعودي الملك عبد الله والرئيس السوري بشار الأسد... فأعطي الضوء الاخضر لقطار الحكومة اللبنانية كي يسير بسلام على سكة المصالحات المرحلية، محملاً بعبء صراعات أمراء الطوائف اللبنانية اللاهثين لحماية حصون مواقعهم الطائفية في لعبة النفوذ والقسمة «الاقطاعية» المتكرسة من خلال الحروب الأهلية المريرة التي هزت مصير هذا البلد. ان سعد الحريري ارتكز في التكليف الاول على انتصار فريقه في انتخابات جوان التي اعادت فرز «اكثرية» 14 آذار و«أقلية» 8 آذار... فطالب من موقع صلب بالحصص والحقائب السيادية المتتناغمة مع معادلة الاكثرية الجديدة، لكنه اصطدم بمطالب الاقلية غير المنسجمة مع حجمها الانتخابي وخاصة اصرارها على مبدأ الثلث المعطل والاستحواذ على ما امكن من الحقائب السيادية. ما دفع بسعد الحريري الى تقديم اعتذاره عن تاليف الحكومة في استراتيجية المناورة والتصعيد.. رضوخاً للمعادلات الاقليمية الجديدة. ثم اعيد تكليفه لاحقاً في سبتمبر ولكن بات سقف تنازلاته اوسع من السابق... فتخلى عن مبدأ عدم توزير الراسبين في حكومته، ورضخ لمطالب العماد ميشال عون بمنح صهره جورج باسيل حقيبة سيادية رغم فشله في انتخابات جوان. ويرى المراقبون ان الرئيس المكلف حاول في التركيبة الجديدة ان يرضي فرقاء المعارضة على حساب حلفائه في 14 آذار، ما أدى الى هذا التململ الذي تشهده أوساط الاكثرية وعلى رأسهم حزب الكتائب الذي لوح بالانسحاب من الحكومة. أما الخاسر الأكبر في المعادلة الجديدة فهي الطائفة السنية بسبب تغييب أبرز رموزها عن اقتسام الغنائم الوزارية وتمثل ذلك بإقصاء الرئيس الأسبق نجيب ميقاتي احد زعماء طرابلس (معقل السنة في لبنان) عن التركيبة الحكومية... وستشهد المرحلة المقبلة تململاً كبيراً لدى الأوساط السنية بسبب تقليص نفوذها في اللعبة السياسة الراهنة. كل هذه المعادلات الجديدة تنبئ بصعوبة عمل الحكومة في العهد الجديد خاصة ان المرحلةالمقبلة حبلى بالتحديات والاخطار الاقليمية وعلى رأسها تهديد الكيان الاسرائيلي الذي ينتظر الفرصة السانحة للإنقضاض على فريسته.