بعيدا عن تقرير بيكر-هاميلتون فضل الرئيس الأمريكي التعامل مع الوضع في العراق بطريقة ارتجالية تجمع بين مواصلة السياسة المصاغة قبيل غزو العراق وبين متطلبات الصمود في وجه المعارضين للتدخل من الديموقراطيين وبعض الجمهوريين قبيل أكثر من عام من الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي يحاول بوش تمكين المرشح الجمهوري المقبل من الفوز فيها وبالتالي عدم تحمل المسؤولية في حالة فشله أمام مرشح المعارضة. لذلك يبدو هاجس الفشل الأمريكي في العراق مهيمنا على بوش الذي يرغب في قرارة نفسه في قلب المعطيات داخل العراق لصالحه ولفائدة حكومة عراقية يكون آداؤها أفضل بكثير من آداء المالكي الذي بدا ضعيفا ليس أمام خصومه فحسب وإنما أيضا أمام حلفائه من السنيين والشيعة على حد سواء وأيضا من وجهة نظر بوش الذي لم يخف امتعاضه العلني من سياسة المالكي. وأمام ما يشهده العراق من تصاعد العمليات الإرهابية ضد المدنيين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية ومن تواصل العمليات ضد القوات الامريكية يمكن فهم وتفهم موقف بوش لكن عندما يناقض نفسه بعد بضعة ساعات فقط ليعلن تواصل دعمه لرئيس الحكومة العراقية فإن المسألة تؤكد ارتجالا في توجيه السياسة الأمريكية تجاه العراق بل يبدو وكأن بوش ممسك لوحده بالملف العراقي في غياب واضح لتصريحات ومواقف نائبه شيني ووزيري الخارجية والدفاع رايس وغيتس حتى أن الأمر يبدو وكأنه ترك بوش في الأشهر الأخيرة من ولايته الثانية يعالج الأمور بنفسه في سياق حفظ ماء وجهه. وقد دفع تنامي ضغط المعارضين للحرب ومطالبتهم بانسحاب القوات الأمريكية بوش إلى الاستنجاد بالحرب في فيتنام واستلهام دروس مناقضة للدرس الذي اتفق عليه المؤرخون المجمعين على هزيمة أمريكا وارتكابها خطأ بالتدخل في الهند الصينية وأصبح يرى خطأ في انسحاب أمريكا من فيتنام لان الفترة التي أعقبت ذلك شهدت معاناة الملايين في تلك المنطقة. ولأن بوش عطوف على شعوب المنطقة فإنه لا يرغب في أن تتكرر مأساة الفيتناميين والكمبوديين في العراق وهو ما يفهم من موقفه المتأرجح بخصوص المالكي الممزق بين الدور الأمريكي ودوره في مصالحة عراقية محتملة والتعايش مع قوى إقليمية مثل إيران وتركيا سوريا.. والمهم أن الرئيس الأمريكي بصدد وضع اللمسات الأخيرة على الدرس العراقي، أما كيف سيكون هذا الدرس فإن الأشهر المقبلة كفيلة بالصياغة النهائية.