تونس الصباح على الرغم من أن ملتقى «أوروبا وجنوب المتوسط وآفاق تطوير السيناريو»، انعقد بمشاركة بضعة أسماء فقط من بين الذين أعلن عن مشاركتهم من قبل في حين تغيبت البقية لأسباب مختلفة إلا أنه يبقى فرصة للتذكير بأن صياغة سيناريو الأفلام تبقى من الأمور الهامة التي تشغل أهل المهنة والمهتمين بالقطاع. كان الملتقى قد التأم صبيحة السبت بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون بمناسبة الدورة16 لأيام السينما الأوروبية بتونس (انطلقت يوم غرة ديسمبر وتتواصل إلى الثامن عشر من نفس الشهر وتتوزع العروض على سبع مدن وهي على التوالي كل من سوسة وصفاقس والقيروان والمهدية وجندوبة وقابس إضافة إلى تونس العاصمة). وحضرت اللقاء نسبة هامة من طلبة معاهد السينما بتونس. أدار طارق بن شعبان (أستاذ بمعاهد السينما بتونس) الحوار وتداول على المصدح كل من «باتريس شاتان»، كاتب سيناريو و«بينوا دلما»، كاتب فرنسي مهتم بالسينما، لا سيما مسالك التوزيع و«كلاوديو جيوفانيزي»، مخرج إيطالي. وكان حضور المخرج إبراهيم لطيف يعود أساسًا لإشرافه على إعداد هذه المناسبة، في حين لم تنجح، على ما يبدو، المبادرة في استقطاب رجالات السينما ببلادنا فقد كان الحضور فقيرًا في هذا الباب. وإذ لم تتوغل المداخلات في عمق الموضوع فإنها قدمت إجابة ولو بشكل غير مباشر حول سؤال يعتبر من بين أهم الأسئلة التي تطرح حاليا عند المهتمين وجمهور السينما التونسية. أيّ سيناريو يمكنه أن يكون الأصلح للسينما التونسية؟ نعرف جيدًا أن السينما في تونس تعاني من أزمة سيناريو. ذلك السيناريو الذي يروق للناس التي نصنفها ضمن فئة المشاهد العادي ويروق كذلك لجمهورأكثر تشدد حتى لا نقول النخبة. قد لا تحتاج الأمور إلى كل ذلك التعقيد الذي نراه بالساحة المحلية. و كي نعود إلى تدخل كاتب السيناريو «باتريس شاتان» خلال اللقاء المذكور، فإن المحاور التي كانت ولازالت تشغل السينما بالعالم تبقى هي ذاتها.هناك حسب المتدخّل حوالي خمسة محاور عالمية وهي ذات صلة بالهوية والحب والموت والحياة والوجود وهي قضايا تتكرر باستمرار. أما ما يحدث الفارق فهو يتمثل في طريقة صياغة السيناريو. تدخل حينئذ مجموعة من العناصر من بينها حساسية الفنان والواقع الذي يعيش في ظله والسياق العام ككل. ويدعونا مثل هذا القول الذي على بساطته فإنه يحيط بالمسألة بعمق إلى التساؤل لماذا لا تقدم الأفلام التونسية أو على الأقل أغلبها قصة أو حكاية يمكن للمشاهد أن يستمتع بمتابعتها. ولماذا ذلك الإصرار على تقديم أعمال يكتب عليها أصحابها قصر العمر بأنفسهم. أيّ حكاية نرويها للجمهور التونسي؟ تتوجه أغلب الأفلام التونسية اليوم إلى فئة مخصوصة من الجمهور يعتقد أنها تملك الأدوات الكفيلة بتشفير المحتوى في حين تبقى النسبة الأعلى من الجماهير خارج اللعبة. وبالفعل فإن السينما التونسية ولعل آخر دليل على ذلك فيلم «الدواحة» لرجاء العماري تقدم محتوى مشحونا بالرموز وأحيانا هناك مغالاة في هذا الجانب. وإذ لا نطالب المخرج وكاتب السيناريو التونسي بتقديم عمل خال من البحث ومن السعي إلى مخاطبة عقل المشاهد فإننا قد لا نكون في حاجة إلى تذكير هؤلاء بأن السينما تبقى في نهاية الأمر من بين الفنون التي تقدم فرجة وبالتالي تقوم بدور في مجال الترويح على النفوس التي يحتاجها المتلقي تمامًا كحاجته إلى الثقافة والعلوم التي تصقل شخصيته وتنمّي ذائقته. ولم تقتصر المداخلات بالطبع على المحاور المشتركة التي يتناولها السينمائيون مهما اختلف المكان وأحيانًا الزمان حيث تم التعرض كذلك لبعض الإشكاليات ذات الصلة بالتمويل والتوزيع وطرحت في هذا الشأن مسألة تكرار الأسماء التي تستفيد من صناديق الدعم الموجودة بالأساس بأوروبا وقد وصف الكاتب «بينوا دلما» هؤلاء «بصيادي الدعم»، وفسّر الأمر بعدة عوامل من بينها شبكة العلاقات الخاصة قبل أن يشدد على أن السيناريو الجيد ينتهي باستقطاب المشاهد وتليه تلقائيا المداخيل. وكان المخرج الإيطالي «كلاوديو جيوفانيزي» قدم شهادة بالمناسبة حول دور السينما في الحوار بين الثقافات. وهو إذ يتحدث عن ذلك فإنه انطلاقًا من تجربته الخاصة. فقد صور المخرج فيلمه «المنزل فوق السحاب» بالمغرب مما وفر له فرصة الاطلاع حسب تعبيره على ثقافة جديدة. وكان الفيلم قد عرض أمام الجمهور التونسي في سهرة السبت. وكي لا يكون اللقاء خاليا تمامًا من الفوائد النظرية فقد أقام الكاتب «باتريس شاتان» مقارنة بين السيناريو على الطريقة الأمريكية والسيناريو على الطريقة الأوروبية. فإن كان الأول عبارة عن عمل تقني بحت فإن الثاني يقوم بالكامل على كتفي الكاتب معلنًا أنه يحبذ أن يكون السيناريو بين هذا وذاك بمعنى أنه يرفض التضحية بالشكل على حساب المضمون والعكس صحيح. حبذا لو كان الأمر كذلك في بلادنا.