تتساءل حاليا بعض المؤسسات الثقافية اللبنانية بحرقة عن السبب الذي دفع فيروز إلى أن تهدي ألبومها الأخير إلى الإذاعة الرسمية السورية لتنفرد بإذاعته دون غيرها من الإذاعات وهي المعروفة ب«شوفينيتها» وحبها للبنان وتمييزه عن غيره في كل ما يوجد في قلبها وكيانها وبشهادة ما تعرّضت له في حياتها من أزمات دون أن تتخلى عنه وعن أهلها ولو لحظة أو تبجّل عنه أحدا... وبقطع النظر عمّا تكنّه إلى سوريا وقد سبق أن برهنت عليه حين تحدّت الكل وغنّت فيها استجابة لدعوة رئيسها بشار الأسد وسط معارضة لبنانية قوية، فإن الأمر بدا غير عادي. وقد تفاجأ اللبنانيون بصوت فيروز يطلّ مع جديدها عبر ذبذبات الإذاعة الرسمية السورية، وشك البعض في أن السبب قد يعود إلى أن الإذاعة اللبنانية الرسمية لم تكلّف نفسها عناء تبنّي أغنيات «سفيرتهم إلى النجوم»، كما هو الحال مع جميع الفنانين الذين هم من الرعيل المؤسس للإبداع اللبناني... ورأى البعض الآخر أن سياسة الفلكلور والروتين الإداري أكلت عندهم الأخضر قبل اليابس في ذلك الصرح الرسمي المسموع الذي غرق في الرتابة، وأصبحت إذاعة «أف أم» من الدرجة العاشرة ولكن توازيه بالأهمية والانتشار. ساعة يوميا على مدار 30 عاما خصّصتها الإذاعة السورية لإبداعات فيروز، فإذا بأغنياتها وتجاربها وحياتها تدخل في دراسات معمّقة، شكّلت جسرا وطيدا بينها وبين الناس. ولا شك أن فيروز أرادت أن تردّ ذلك الجميل عبر تقديمها ألبومها الجديد إلى تلك الوسيلة الإعلامية. ألبوم يتضمن 7 أغنيات من بين عناوينها: «إيه في أمل»، «يا سلام عبكرا»، و«الله كبير ومعك». من الواضح أن تلك الإذاعة المذكورة احتضنت الفن الفيروزي، خصوصا بعد أن فشلت بعض شركات الإنتاج العربية في الحصول على ذلك العمل بسبب سياسية التجارة التي تتعمدها في التعاطي مع كبار الفنانين وتقييم التعامل المالي معهم بأسلوب لا يوازي حتى المعاملة المادية التي يحظى بها فنانون من أجيال أتت من بعدهم. تخمينات... لا غير وقد جاء في بعض المواقع الإلكترونية المختلفة في هذا الموضوع أن السبب قد يكون: أن شركة «روتانا» قد بدأت التفاوض مع فيروز عقب توقيعها عقدا مع «وردة الجزائرية» وإنها عرضت مبلغ مليوني دولار أمريكي مقابل الحصول على الألبوم الفيروزي الجديد. إلا أن ذلك العرض لم يلق تجاوبا من فيروز، وتردّد أيضا أنه جرى الحديث عن وجود مموّل لبناني مغترض عرض مبلغ 500 ألف دولار من أجل تبنّي الألبوم، ولم يصل إلى غايته. ولكن مؤسسة «روتانا» في ذلك الحين نفت قيامها بأية مفاوضات مباشرة مع فيروز، وحصرت الموضوع باتصال جرى قبل سنوات لتحديد لقاء معها، ولم يتم ذلك لأسباب غير مبرّرة. أما المعلومات من المحيط الفيروزي، فتشير إلى أن كل الأخبار التي تدور في هذا الإطار كاذبة وخاطئة ومتاجرة بموقفها الإعلامي، لأن اسمها يجذب الانتباه، لذا يطلقون الأقاويل من حولها لأنهم متأكدون من أنها لن ترد عليها وتترك الساحة مفتوحة لهم. وحسمت المعلومات أن فيروز لا تتعاون مع مموّلين إلا إن كانوا يتعاطون الفن الجيد، ولو دفع لها 10 ملايين دولار أمريكي. على كل، شكّلت خطوة فيروز مع الإذاعة السورية موقفا حاسما تجاه الإعلام اللبناني الرسمي الذي حرم من جديدها. ولعلّ فيروز بهذه المبادرة أرادت أن تؤكد أن الفن الفيروزي لم يدخل إلى مغازات الإنتاج التجاري ومتاهاته، وأنه مازال على نقاوته ونوعيّته رغم كل شيء...