عادت مشكلة المحامين المساهمين في البرامج التلفزية لتطفو من جديد بعد القرار الأخير الذي اتّخذه فرع تونس للمحامين ضدّهم والقاضي بإحالة خمسة منهم على عدم المباشرة وأحيلت هذه القرارات إلى الهيئة الوطنية للمحامين، وهؤلاء المحامون الخمسة هم الأساتذة فتحي المولدي وكمال بن مسعود وآمال القروي وسنية الدهماني المشاركين في برنامج «الحق معاك» بالقناة التونسية 7 ووليد الزراع منشط برنامج «بلا مجاملة» الذي يبث على قناة حنبعل. وكان لا بدّ من التوقف عند هذه المسألة التي قلنا فيها سابقا حين أثيرت في مطلع السنة الحالية أنّ مشاركة المحامين بوصفهم رجال قانون في البرامج التلفزية والإذاعية يثري حتما الثقافة القانونية لدى الجمهور الواسع من المشاهدين فيسهمون بخبراتهم القانونية في إظهار الحقوق وإنارة السبيل أمام العدالة وأمام السلطات العمومية خاصّة إذا تعلّق الأمر بتنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم التونسية وهي معضلة المعضلات لأنّ تنفيذ الأحكام يبقى نقطة سوداء يصعب تجاوزها إلا بالإجراءات الحازمة وإحداث مصالح خاصّة بمتابعة الأحكام التي يجد أصحابها صعوبة في التنفيذ. بقي أن نشير إلى أنّ المحامين الخمسة الذي أحالهم فرع تونس على عدم المباشرة احترموا القانون واحترموا هيئتهم الوطنية واحترموا النظام الداخلي فقد سبق لهم أن أحاطوا عميد المحامين علما بمشاركتهم في البرامج التلفزية ونالوا موافقته حسب مقتضيات النظام الداخلي، ومن الغريب أن يتّخذ فرع تونس للمحامين في هذه المسألة موقفا مناقضا تماما للموقف الذي اتّخذه إبّان إثارة هذه المشكلة في مطلع السنة الجارية فقد سبق لهذا الفرع أن أصدر بتاريخ 13 مارس 2009 إعلاما حول الحصص التلفزية عبّر فيه عن تمسّكه بحرية الإعلام ومطالبته بإطلاق الحرية للتطرّق لكل المواضيع دون محظورات وفي إعلام آخر بتاريخ 26 مارس 2009 عبّر فرع تونس عن أسفه لكيفية تعامل هياكل مهنة المحاماة مع برنامج «الحق معاك» وحين أصدر مجلس الهيئة الوطنية للمحامين بتاريخ 17 مارس 2009 في جلسة طارئة انعقدت بقصر العدالة بتونس قرارات طالبت فيها رؤساء الفروع بالقيام بإجراءات التتبعات التأديبية اللازمة ضدّ بعض المحامين المساهمين في البرامج التلفزية الذين خالفوا القانون وطلب عميد المحامين إحالتهم على مجلس التأديب وعلى عدم المباشرة ردّ فرع تونس على هذه القرارات برسالة إلى عميد المحامين يطالبه ب «تمكينه من المؤيدات التي على أساسها يطلب العميد تتبّع الزملاء المحامين» واكتفى الفرع بعد ذلك بمجرّد الاستماع إلى المحامين المعنيين، فكيف يعود الفرع اليوم إلى اتخاذ موقف متناقض تماما مع موقفه الأوّل؟ نترك الجواب عن هذا السؤال إلى من يعرفون حقيقة الأمر والأسباب التي دفعت الفرع إلى اتخاذ قرارات الإحالة... الحيوية تعود فجأة يبدو أنّ الحيوية عادت فجأة إلى فرع تونس للمحامين الذي قرّر هذه الأيام عقد أنشطة مكثّفة قد تتواصل إلى الانتخابات المقبلة، فبعد قرارات الإحالة على عدم المباشرة التي أصدرها ضدّ المحامين المشاركين في البرامج التلفزية يعتزم عقد اجتماع إخباري حول ما أسماه الانتهاكات والاعتداءات التي تستهدف المحامين في إطار ممارستهم لمهنتهم وترجّح بعض الألسن الخبيثة أنّ هذه الحيوية التي دبّت فجأة في شرايين الفرع دافعها الحقيقي التحضير لأجواء الانتخابات وتلك هي الحرب الانتخابية وعود فانتصار فركود فاستفاقة فنشاط فوعود أخرى... ابن العميد ومعهد المحاماة حدّثني في المدة الأخيرة أحد المحامين عن طرفة أثارت دهشتي وعادت بذاكرتي إلى الوراء خمس سنوات مضت وتحديدا خلال سنة 2004 حين اعتزمت وزارة العدل إحالة مشروع القانون المتعلّق بالمعهد الأعلى للمحاماة إلى السلطة التشريعية ومناقشته فواجهت آنذاك معارضة شرسة من الهيئة الوطنية للمحامين ومن عميد المحامين بالخصوص الذي لم يدّخر أيّ وسيلة لمقاومة هذا القانون، وبعد مضيّ خمس سنوات على هذا القانون يجتاز ابن هذا العميد مناظرة الدخول إلى المعهد الأعلى للمحاماة بنجاح ويزاول دراسته استعدادا لتخرّجه من المعهد وممارسة مهنة المحاماة، أردت فقط بهذه الطرفة أن أسوق بعض الكلام الذي قد لا يقبله بعضنا وهو أنّ تحقيق المصلحة العامّة التي تعود بالنفع على القطاعات المهنية تحتاج منّا دائما إلى كثير من الصبر ونكران الذات ومن حسن الحظ أنّ بعض المناظرات الوطنية لا تفرّق بين غني ولا فقير أو بين أبناء الذوات وأبناء الكادحين أحيانا. للتعليق على هذا الموضوع: