لا شك في أن مجال الثقافة في تونس ما فتئ يحظى بتراكم كمي ونوعي من ناحية القرارات والإجراءات الرئاسية الهامة والمشجعة. ولا شك أيضًا في أن تونس عاشت عام2009 سنة ثقافية زاخرة وصاخبة ومليئة بالأحداث الثقافية الكبرى، التي أكدت البعد العميق للمسألة الثقافية في بلادنا وذلك من خلال الانتصار للرموز من مفكرين وفنانين وشعراء، ممّا يُبرهن على نظرة الاعتراف بالجميل الثقافي لأبي القاسم الشابي و للعلامة محمد الفاضل ابن عاشور وغيرهما. لذلك فإن المنجز الثقافي رؤية وأنشطة وخيارات يفرض علينا في آخر أيام 2009 أن نُقارب المنشود ثقافيا خصوصا أن الخطاب الرسمي حول الثقافة يتسم بالطموح وبالإرادة وبالتشجيع وبالمراهنة الحقيقية لا الصورية على الثقافة كرافد أساسي للتنميّة الشاملة. من هذا المنطلق من المهم جدًا أن نرصد أهم مشاكل الثقافة في تونس ومحاولة معالجتها بالشكل اللازم لأن ذلك من شروط انخراط الثقافة في العملية التنموية لاسيما التنمية في الإنسان التونسي. طبعًا من الصعب رصد كل هذه المشاكل ومن الادعاء أيضا تصور أننا على علم بها ولكن في نفس الوقت هناك إشكاليات واضحة وذات أولوية. وفي هذا الصدد نشير إلى ملف الثقافة في الجهات الذي يتطلب حقيقة مقاربة جادة وشجاعة وصريحة باعتبار أن عدم معالجة هذا الملف بالشكل اللازم يعني أن المسافة التي تفصلنا عن طموحاتنا الثقافية بعيدة أكثر مما نعتقد. وللعلم فإن ما ينقص الجهات في تونس ليست الأنشطة الثقافية من حيث البعد الكمي بل أن المضامين الثقافية التي تُقدم، هي ما تستحق من جميع الأطراف التفكير والتدبير. فالفعل الثقافي في الجهات لا يقوم على الاستمرارية الفعالة بشكل يتيح خلق التقاليد .كما أن الأنشطة التي تُبرمج تخضع في أغلبها إلى شذرات من رؤية يبدو أن هضمها بالنسبة إلى البعض لا يخلو من العسر. إن موضوع الثقافة في الجهات خطير وهام جدًا. ففي الجهات نجد نسبة كبيرة من الشباب والطلبة الشيء الذي يجعل من محاولة مزيد الاجتهاد في تصور الأنشطة وربطها بالرؤية الحداثية الأدبية والفكرية وبما يجري جماليا في العالم، مسألة ذات أولوية بحكم أنها تساعد الشباب في الجهات على الظفر بمواكبة حقيقية للثقافة وللإبداع في تونس وفي العالم. إن مشهد شاب تونسي وهو يهتف بصوت عال تجاوبا مع مداخلة شفوية لأحد ضيوف الثقافة التونسية وهو يُهاجم الآخر في تفصيل ديني أو ثقافي، مشهد يُسقط مجهودات جبارة تُبذل سياسيا وثقافيا. وكي تأخذ الجهات حقها من الإبداع المتجاوز والمفتوح جماليا وفكريا لعله من المهم اختيار كل ستة أشهر ولاية من الولايات لتكون عاصمة للثقافة التونسية، وهو اقتراح نعتقد أنه سيضع عدة جهات في امتحان من جهة ويقدم لها فرصة التمتع بمنطقة المركز من جهة أخرى.