يكثر الحديث هذه الايام عن الفن الموسيقي والغنائي التونسي على اساس انه حقق حضورا قويا في المهرجانات الصيفية الدولية منها والوطنية والجهوية عل حساب حفلات عربية كان البعض يتصور ان نجومها سيحركون عشرات الآلاف من احباء السهر مع الموسيقى والغناء هذا النجاح الذي حققه اهل الفن من تونس دفع بالبعض الى القول بانه يمكن الاستغناء عن نجوم العرب بدعوى اعتماد سياسة الاكتفاء الذاتي خاصة وان المهرجانات العربية كثيرا ما عتّمت بشكل او بآخر على الفنانين التونسيين وكأنهم لا يقدمون شيئا. وفي رأينا ان التفكير في الاستغناء عن الحفلات التي يحييها نجوم عرب هو تفكير عقيم والمطلوب في واقع الامر هو ان حسن اختيار النجوم وان نتعامل مع سياسة الاكتشافات على طريقة المهرجان اللطيف في مدينة الجم. نعم أخطأت بعض المهرجانات الدولية عندما برمجت بعض النجوم لانها لم تتفطن الى ان بريقها التجاري قد خفت او انطفأ نهائيا ولانها ايضا لم تدرس رغبات جماهيرها ولم تعتمد خصوصياتها وميولاتها. ان في البلاد العربية مطربين متميزين قادرين على احداث المتعة رغم ان الكثير منهم لا يتعاملون مع الشركات الفنية الكبرى المسؤولة منذ سنوات عن صناعة النجوم واطلاقها في سماء المهرجانات وعلى شاشات التلفزة بكل انواعها. وبالتالي فلا يجب ان تكون المهرجانات متطرفة في مواقفها فتغلق الباب امام كل النجوم العرب لا لشيء الا لان البعض منهم تسببوا في الخسائر او في الانتكاسة الجماهيرية، ولا يجب ايضا الاسراع بالدعرة الى ان يكون الاستهلاك الفني تونسيا بحتا. المهم هو ان نعرف كيف نختار!؟ وتلك مسألة قد تناولناها في مقالنا في عدد امس. وما يهمنا اليوم هو التذكير بان الاغنية التونسية حضرت في المهرجانات بقوة وان المطربين التونسيين شدوا الاهتمام. ونشير هنا الى اننا اذا ما تحدثنا عن المطربين التونسيين فاننا لا نخرج منهم نجوم تونس المهاجرين امثال لطيفة العرفاوي وصابر الرباعي وصوفية صادق. وعندما نتحدث عن الاغنية التونسية فاننا لا نقصد بها الاغنية الملتزمة بالطبوع التونسية فقط بل نقصد بها كل الانواع الغنائية التي يؤديها الفنانون التونسيون وخاصة منها الانواع التي لا تشمل النوع الغربي التي لا يمكنها باي حال من الاحوال ان تكون ضمن الروح التونسية وداخل المقومات التونسية انها في رأينا تجارب لا تعني الا القائمين بها والقائمين عليها. ففي تونس اليوم اسماء مهمة رفعت من شأن الاغنية والكثير منها بدأت تحقق الاشعاع عربيا فبالاضافة الى لطيفة العرفاوي وصابر الرباعي وصوفية صادق نذكر زياد غرسة وسنية مبارك ودرصاف الحمداني وليلى حجيج ونورة أمين ولطفي بوشناق ونور الدين الباجي ومحمد الجبالي وصلاح مصباح ومنية البجاوي وعلياء بالعبد ومنير المهدي وشهرزاد هلال وهالة المالكي وألفة بن رمضان ورحاب الصغير وأمينة فاخت وغيرهم. ونريد هنا ان نخص بالذكر زياد غرسة صاحب الصوت الذهبي وامينة فاخت صاحبة الموهبة الفذة وسنية مبارك المتميزة بثقافة تخول لها الابداع على درب تطوير الموسيقى التونسية الاصيلة ودرصاف الحمداني التي اثبتت انه بالامكان الاستفادة من تجارب الموسيقى من ايران والهند واندونيسيا وليلى حجيج التي عرفت كيف تحافظ على العمق الموسيقي العربي وتشد الناس جميعا، دون ان ننسى تجربة لطفي بوشناق الذي رفع الراية التونسية من خلال تجاربه التي حملها الى بلدان ما كان للاغنية التونسية ان تصلها مثل اليابان والهند. الاغنية التونسية اذن تتحرك واثبتت لنا ان التونسيين يحبونها اذا ما عرفت كيف تكون مبدعة جميلة وكيف تنفض الغبار عن نفسها. وما ينقصها اليوم هو بعث مصنع كبير للترويج للاغنية التونسية وحملها الى كل الافاق مع مواصلة العملية الابداعية والتركيز على الاغاني الجميلة التي تلتزم بالروح التونسية وبالكلمات التونسية وتجري متغيرات فنية قادرة على الالتحام بجمهور الشباب من اولئك الذين لا ينشدون الى الموسيقى الا اذا كانت ايقاعية راقصة. نلاحظ مثلا ان فنانا مثل سمير الوصيف الذي ينتمي الى جماعة المزود تمكن من ان يقتلع حضوره في كل الاوساط باغنية الحظ «يا أمي ياغالية» لقد أحب الجميع هذه الاغنية بمن فيهم اولئك الذين يكرهون المزود وأهل الفن «المزودي» لانها صادقة.. ولانها لم تكن من «قبيلة» الاغاني التي يرددها جماعة المزود. يعني ان اغنية واحدة كانت كافية لتجعل الفنان سمير الوصيف في زمرة الفنانين الذين يجلبون الاحترام. وما عليه اليوم الا ان يحافظ على هذا المكسب وان لا يعود الى زمرته ويسعى الى اغنية حظ ثانية.. واغنية حظ ثالثة وسيجد الجميع الى جانبه. ونعود الى الاغاني التونسية في المهرجانات خلال الصيف الحالي الذي سينسحب قريبا فنقول بان التونسيين متمسكون فعلا بها وهم يقبلون على حفلات التونسيين اقبالا عظيما احيانا كما حدث مع صوفية صادق وزياد غرسة ولطيفة العرفاوي وفي السنة الماضية كان الحفل عظيما مع لطفي بوشناق. قال لي بالمناسبة احدهم: ان الكثير من المواطنين اقبلوا باعداد غفيرة على بعض الحفلات التونسية لانهم تلقوا دعوات ولم يدفعوا ثمن تذاكرهم. واقول: ما كان هؤلاء المواطنين ليحضروا هذه الحفلات ولو مجانا لو لم يكونوا من احباء لطيفة وصوفية وغيرهما علينا اذن ان نحافظ على هذا المكسب وان ننميه ونسقيه بكثير من الحب.