إن من ثوابت السياسة التشريعية في بلادنا اعتماد الصلح أساسا في حل الخلافات ووضع حد للخصومة بصفة نهائية فتزول به الأحقاد ويبقى على حسن العلاقة بين الأطراف المتداعية ولقد اهتم المشرع التونسي على غرار القانون المقارن بالصلح باعتباره وسيلة لفض النزاعات وانهاء الخصومات بين الاطراف يحقق العدالة فيما بينهم ويضمن بذلك الأمن والسلم الاجتماعيين ويخفف من عبء الخصوم ويعمل بصورة مباشرة وغير مباشرة على تقريب مصالح الأطراف وإيجاد وفاق بينهم. إذ أثبتت التجربة أنه من الأجدى حثّ الاطراف المتنازعة على ابرام صلح متى أبدوا استعدادا ورغبة على تحقيقه وذلك لاتخاذ الحلول الملائمة لفض النزاعات القائمة بينهم بدل تطبيق نصوص قانونية قد تسوي مشكلة مجددة تتولد عنها مشاكل أخرى قد تخلق الضغائن والأحقاد وهو ما دفع بالمشرع التونسي الى إيلاء الصلح العناية التي يستحقها فأدرجه في العمل القضائي في عديد المجالات إيمانا منه بجدواه في إرساء جو من السلم الاجتماعية أسوة بما تضمنته الشريعة واستمدادا لقيمها وروحها السمحة إذ جاء في كتابه العزيز «بسم الله الرحمان الرحيم لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما - سورة النساء الآية 114 » كما جاء بسورة الحجرات «إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم» وقال تعالى «الصلح خير» صدق الله العظيم. الصلح عقد وضع لرفع النزاع وقطع الخصومة ويكون ذلك بتنازل كل من المتصالحين عن شيء من مطالبة أو بتسليم شيء من المال أو الحق وهذا ما تضمنه الفصل 1458 من مجلة الالتزامات والعقود فالصلح تجسيم لإرادة الاطراف سواء قبل اللجوء الى الجهة القضائية المختصة أو أثناء طور من أطوار التقاضي إذ أن ما يتفق عليه الطرفان يقوم مقام القانون بينهما ولا ينقض الا برضائهما أو في الصور المقررة في القانون وهو ما تضمنه الفصل 242 من ذات المجلة فلا شيء يمنع قانونا القضاء بإمضاء الصلح الواقع بين الطرفين حتى بعد صدور قرار قضائي نهائي بينهما، كما لا شيء يمنع الاطراف من إبرام اتفاق على صلح ما لم يوجد مانع قانوني متى توفرت عناصره منحصرة في وجود نزاع قائم أو محتمل - إنهاء النزاع أو نية إنهائه - تنازل متبادل بين الطرفين عن حقهما. إن أهمية تحديد العناصر المكونة لعقد الصلح تكمن في سلطة المحكمة عند نظرها في مثل هذه العقود على إضفاء الوصف القانوني الصحيح والتصريح بأنها عقود صلح خاضعة لأحكام القانون في كل مجالاته حتى الرياضية منها مثلما شهدته الساحة الرياضية بشأن قضية اللاعب الأمجد الشهودي التي أثارت ضجة إعلامية فكثر الحديث حولها وتباينت الآراء القانونية بشأنها وصدر القرار عن اللجنة الفيدرالية لكرة القدم المحترفة قضى بقبول انتقال اللاعب المذكور الى جمعية النجم الرياضي الساحلي وتمكينه من إجازة طبق التراتيب المعمول بها. وبصرف النظر عما إذا كان هذا القرار منبنيا على مستندات قانونية سليمة من عدم ذلك فهو قرار قابل للطعن فيه ممن له الصفة والمصلحة والأهلية مثلما تقتضيه أحكام الفصل 19 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية وأحكام الفصل 216 من القوانين العامة لكرة القدم. ودون التفات عن النقاش القانوني حول هذه المسألة وسواء أحسنت الجامعة التونسية لكرة القدم تطبيق القانون أم لا فإن اللجوء الى الصلح والسعي فيه سواء من المتقاضين الاطراف المتنازعة أنفسهم أو من غيرهم حسما للخلافات بالحسنى هو تكريس لمبدإ التسامح ولو بالتنازل أكثر من اللزوم أولى من الدخول في إجراءات قضائية سليمة قد تطول في الزمن un mauvais arrangement vaut mieux qu»un bon Procés فإن تم الصلح بين الطرفين المتخاصمين فإن ذلك لا يعدو أن يكون تعبيرا وتجسيما لارادتهما على انهاء الخصومة رضائيا نتيجة حوار ونقاش وإرادة حرة استنادا الى المبادئ العامة للصلح المشار اليها بمجلة الالتزامات والعقود فيما لا يتعارض والنظام العام والقوانين الخاصة على غرار القانون الرياضي خلافا لما يراه البعض إذ أن حرص الجامعة التونسية لكرة القدم في شخص رئيسها على تحقيق المصالحة بين الاطراف المتنازعة بشأن قضيتي اللاعبين الأمجد الشهودي ومحمد الباشبطجي يتنزل في إطار قانوني سليم من كل العيوب وهي رغبة منه في المحافظة على حسن العلاقات بين الفرق الرياضية المتبارية تجلت فيه خصال المسؤول الكفء وتحليه بنزعة طبيعية ترنو الى الوفاق والمسالمة ونبذ الخصام والتنافر فاختار آلية الصلح باعتباره وسيلة كفيلة لفض النزاعات وإنهاء الخصومات لما له من مزايا تنسحب آثاره على الكافة فتهيأ بذلك مناخا نظيفا يتيسر فيه العمل من أجل تطوير الرياضة التي هي وسيلة تحابب وتراقب وتعارف ولا سببا للانشقاق والخلافات والتطاحن والتنابز.