لئن شهدت الأعمال الدرامية الرمضانية بروز عديد الأسماء سواء على مستوى كتابة النص والسيناريو أو فيما يتعلق بالصورة والإخراج فإننا نتفاءل دائما حين نرى إسم علي اللواتي ونتنبأ للعمل أن يكون ناجحا سيان بين مستوى السرد أو البناء الدرامي فعلى الرغم أن أسماء كثيرة شقوا ّلأنفسهم طريقا خلال العقد الفائت في ميدان الكتابة الدرامية فإنهم وبكل صدق يضلون أمام السيناريست والروائي علي اللواتي مجرد تجارب إرتجالية غير موفقة من ناحية التجاوب والتلقي، إلا أن ما يميز أعمال اللواتي هو تلك الرؤى التي ترتقي بالسيناريو من جمالية السرد إلى رشاقة الحبكة الدرامية التي تشد المشاهد. وأعتقد أن المتابع لأغلب أعمال هذا الروائي من قمرة سيدي محروس وضفائر إلى منامة عروسيه ثم حسابات وعقابات أن المشاهد يلمس التقدم أو التدرج في تميز أعمال علي اللواتي من النص إلى السيناريو وصولا إلى الحوار الذي لم يتعسف في لغته على أصناف اللهجات من الريفية إلى الحضرية إلى "البلدية" بل كان متوازنا ومتناسقا مع شخوصه في حركاتهم ومزاجهم، بعيدا عن الإسقاطات اللغوية التي ألفناها في أعمال أخرى ولعل الفيصل بين الأعمال الدرامية الأخرى وأعمال علي اللواتي يعود بالأساس إلى حرفية هذا الكاتب الذي لم يحاول الاستثمار الفج لنجاحاته السابقة لتكرار نفس اللون والرائحة وأرسى عملا متكاملا نصا وسيناريو. هذا العمل الذي تم عرضه خلال النصف الأول من شهر رمضان أي مسلسل "كمنجة سلامة" الذي يعد حسب رأينا منعرجا نوعيا في الكتابة الدرامية لدى هذا الأخير ولا نجامل حين نقول أنه أضحى من أهم روافد الدراما التونسية..." وقد استطاع مسلسل كمنجة سلامة الذي أخرجه حمادي عرافة الوصول إلى نسبة مشاهدة عالية لدى النظارة فمن خلال هذا العمل استطاع علي اللواتي أن يبنى مشهدا واقعيا اختزل فيه جل مكونات المجتمع وإن كان قد غلب عليه فئة متميزة اجتماعيا وثقافيا هي ما يسمى "بالبلدية" والذي رسمه بكافة تفاصيله وتعرجاته. ويمكن للمشاهد أن يستشف دقة هذا الرسم من خلال الحوار الذي بناه صاحب العمل والذي ينم عن دراية ثاقبة وجامعة لهذه الفئة الثقافية أو الاجتماعية فجاءت الصورة دقيقة إلى أبعد الحدود ولم يغفل علي اللواتي في تصديره لتفاصيل الحياة اليومية لأسرة عبد المقصود والتي تركزت حول الشخصية المحورية للأسرة " للة عقيلة" في حركاتها ومصطلحاتها وحتى ملامحها توحي بالتفكير "البلدي" وحتى لا تتحول قراءتنا إلى مجرد إطراء مجاملاتي فانه يجدر بنا أن نتساءل إلى أي مدى كان هذا العمل معبرا عن الواقع الذي أراد إبرازه صاحبه وهل لامس فعلا واقع المواطن بشكل عام؟ أرى أن العمل قد استطاع وبعيدا عن ظاهره أن يطرح أكثر من قضية وإشارة: والقضايا ليست اجتماعية فحسب بل تتجاوز ذلك إلى أخرى ذات أبعاد ودلالات نفسية فلا نتعسف على النص إذا ما رأينا في الصراع الذي أراد له السيناريست صلب عائلة عبد المقصود أن يعبر عن صراع أجيال ثلاثة جسدتهم شخصيات "للا عقيلة" فشخصية حسناء ثم شخصية ثريا إلى شخصيتي ماجد وسوسن من خلالها استطاع كل جيل أن يبني لنفسه حياته الخاصة وأما عن الإشارات وهي بالكثرة التي لا يمكن التوقف عندها كلها فالصورة التي رسمها صاحب النص وجسدتها في المسلسل شخصية "حيدر" توحي حسب رأيي بإشارة مفادها أن الوضع الاجتماعي لا يحدد بالضرورة سلوك الفرد فعلى الرغم من انتمائه الطبقي الارستقراطي نرى سقوط حيدر إلى عالم الانحراف وأما عن تعلق سوسن بماجد فهي إشارة إلى القطع مع المرجعية الطبقية في العلاقات والارتباطات العاطفية صلب الجيل الجديد. غير أن جودة الكتابة ونجاح الاخراج لا يمكن أن تمنعا من التثريب على بعض المضامين والتي وان كانت موجودة بواقعنا فإنها ليست مبررا للتعميم ولتصويرها على أنها عادية: فاستقلال "سوسن" برأيها في مسالة ارتباطها ب"ماجد" وهي لم تبلغ سن الرشد تعد زيادة على خروجها على نواميسنا الاجتماعية مجانبة للصواب... ثم إن شخصية حسناء اثر طلاقها وفي مشاهد لقائها بالدكتور واصطحابها له في المركب يتناقض كليا مع طبائع الدور الأول الذي عهدناه في أول المسلسل والمتسم بالرصانة بل هواقرب للسيناريوهات المكسيكية. ولا يمكن أن تحجب عنا بعض النقائص التي لا تمس السيناريو بقدر ما تتصل بأسلوب الروائي في عمله فإذا ما وضعنا أعمال علي اللواتي الأخرى وجها لوجه مع هذا العمل الأخير فإننا نجد الكثير من التشابه في الشخصيات وأوضاعها فشخصية "للاّ عقيلة" لا تختلف كثيرا عن شخصية مامية " في قمرة سيدي محروس من خلال انتمائها "البلدي" وتسلطها وعلاقتها بابنها عبد المجيد المحروس " الذي لا يختلف كثيرا عن منذر عبد المقصود في سلسلة كمنجة سلامة إذ تلمس لدى المنذر عبد المقصود نفس الشخصية الهشة التي لا تقوى على قرار شخصي ودون التفكير في سطوة الأم لدى عبد المجيد المحروس، وكلاهما يلتقيان إلى حد بعيد في تفاصيل حياتهم وعلاقتهم بزوجاتهم. ومهما يكن من ملاحظات على مسلسل كمنجة سلامة فمنتهى القول انه خلافا لأعمال درامية سابقة والتي حاول أصحابها الاعتماد على الفكرة فقط لينطلقون إلى محاولة تقديم عمل يفترضون أنه درامي مما يؤدي إلى عشوائية في النص وفوضى في الرؤيا الإخراجية وغياب التكامل الإبداعي استطاع هذا العمل أن يشد المشاهد ويحفز الناقد لتقييم عمل يمكننا القول بأنه أضحى يرقى إلى مضاهاة الأعمال المصرية.