أصبحت الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي أحد هياكل المنظمة الأممية على مر السنوات وخصوصا منذ انتهاء الحرب الباردة في شبه عزلة بفعل تنامي دور مجلس الأمن الدولي وتعدد اللجوء إليه من قبل الولاياتالمتحدة في إطار حربها على الإرهاب. ومازالت الذاكرة تحتفظ بالنقاشات المطولة للجمعية العامة حول عديد القضايا الدولية التي لعبت دورا في إبرازها أو دفاع أغلبية الدول الأعضاء عنها ورغم افتتاح أشغال الجمعية العامة في دوراتها السنوية وحضور العديد من رؤساء الدول والحكومات خلال السنوات الماضية إلا أنها فقدت بريقها بل حتى النقاشات الهامة لجملة من القضايا تكاد تصبح حكرا على مجلس الأمن كلما استوجبت الظروف انعقاده. ورغم اختلاف دور الهيكلين إلا أن الإشكالية ظلت متمثلة في قطيعة بين ما تصدره الجمعية العامة من توصيات ولوائح وبين ما ينفذ في سياق "إرادة المجتمع الدولي" ونسوق هذه الملاحظات بعد أن دعت الجمعية العامة الولاياتالمتحدة (بأغلبية 184 صوتا من أصل 192) إلى إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي المفروض على كوبا منذ 46 عاما بينما عارضت أمريكا وإسرائيل وجزر مارشال وبالاو هذا القرار. ولعل حينما تطرح قضية في الجمعية العامة تتعلق بشعب بأكمله تكون المسألة واضحة لأن المتضرر دوما من العقوبات المفروضة على بلدان ما هي الشعوب وقد أظهرت العقوبات التي فرضت في السابق على العراق وعلى كوبا أن شعبي البلدين عانا من تلك العقوبات دون أن تغير شيئا في طبيعة نظامي البلدين . ومن المفارقات أنه في الوقت الذي بدأت كوبا "الاشتراكية" تنفتح على المبادرة الخاصة تدريجيا وتتدعم فيها السياحة ويتم فتح الأبواب أمام رؤوس الأموال فيما يعني بداية تحول اقتصادي تتشدد الإدارة الأمريكية في مراجعة قرار كان قد اتخذ عام 1962 يوم كانت الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والغربي على أشدها خصوصا بفعل أزمة الصواريخ السوفياتية وعملية خليج الخنازير. يفترض ومن خلال جملة من الأمثلة أن تؤخذ قرارات الجمعية العامة بعين الاعتبار بخصوص مسائل مثل القضية الفلسطينية وقضايا تنموية تشغل بلدان الجنوب لأن ما يصدره هذا الهيكل الأممي يعكس بالضرورة مواقف وإرادة جانب كبير من البلدان الأعضاء وهي في نهاية الأمر تمثل إرادة المجتمع الدولي .