تشير الأنباء الواردة من السودان الى ان النتائج الاولية لاستفتاء مصير الجنوب ترجح خيار الانفصال وان 99 بالمائة من الناخبين صوتوا لقرار الانفصال والذي ستبدأ معه مرحلة تاريخية جديدة ترسم معالم السودان المجزأ. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في هذا المجال يتعلق بمستقبل العلاقات بين الشمال والجنوب وعن قدرتهما على الخروج من عنق زجاجة الانفصال وتداعياته ؟ قضايا عالقة ثمة الكثير من القضايا العالقة التي تنتظر حلولا بعد ان تنجلي معالم الدولة الجديدة التي ستبرز في جنوب السودان. فالانفصال ليس سوى خطوة البداية نحو أزمات جديدة تنتظر أفق حل لها كما يرى عديد الخبراء. ومما لا شك فيه ان دولة السودان في الشمال ستشهد تغييرا في دستورها ونصوصها القانونية كما سيتم إدخال تعديل على خريطة السودان المجزأ الجديد خاصة ان هناك خلافات شائكة تتعلق بتحديد الانتماء الجغرافي للمناطق الحدودية. وستبرز على السطح إشكالية ترسيم الحدود الجديدة بين الطرفين إضافة الى قضايا المياه وتوزيع الموارد والعملة وكيفية اقتسام الديون الخارجية. خاصة ان الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر شدد على ضرورة تحمل الشمال لعبء الديون الخارجية بعد انفصال الجنوب والتي تصل الى حوالي ال 40 مليار دولار. لكي تصبح دولة الجنوب «المسيحية» الناشئة المدعومة من الغرب دولة قوية دون ديون تعيق مسيرة بنائها بعد استحواذها على المناطق الغنية بالنفط في مقابل إنهاك دولة الشمال التي لم يتبق لها سوى القليل من عائدات النفط بعد الانفصال. أما القضية الأهم فهي تتعلق بمنطقة أبيي الحدودية المتنازع عليها والتي تشهد أقوى حوادث العنف بسبب النزاع الدائر بين قبائل المسيرية العربية وقبيلة الدينكا الإفريقية وصعوبة البت بمصير انتمائها حتى إن بعض المحللين ذهبوا إلى حد اعتبارها بؤرة النزاع الدائم بين الشمال والجنوب التي يخشى مراقبون بان تؤدي الى اندلاع حرب أهلية جديدة بين الطرفين، تذهب ضحيتها قبائل المسيرية العربية من خلال تهجيرها الى مناطق الشمال وإلحاق أبيي بدولة الجنوب وإجبار حكومة البشير على القبول بالأمر الواقع من خلال التهديد بتحريك ملفي المحكمة الدولية ودارفور. وقد تعالت أصوات تدعو الى إقامة شكل من أشكال الكونفدرالية بين شمال السودان وجنوبه يقوم على نظام شراكة اقتصادية شبيه بالاتحاد الأوروبي. ويقول محللون بان هذه الصيغة قد تكون الحل الأمثل لتجنيب تداعيات الانفصال الخطيرة على دولة الشمال ومن شأنه ان يقيم مناخا من الوئام بين البلدين، وثمة خيار يتعلق بإنشاء عملة موحدة على غرار العملة الأوروبية. حملات التبشير من جهة أخرى تشير عديد التقارير الى ان دولا افريقية عديدة ومن بينها السودان باتت هدفا لحركات التنصير التي يدعمها اتحاد الكنائس العالمي الذي قام بإنشاء كنائس وإعداد قسيسين أفارقة وإنشاء مدراس ومعاهد لهذا الغرض. واهتمام الفاتيكان بجنوب السودان ليس حديثا بل يعود الى بدايات سبعينات القرن الماضي حيث بدأت البعثة التابعة لخدمات الإغاثة الكاثوليكية نشاطها في الجنوب برعاية الفاتيكان. وواصلت نشاطها التبشيري من باب المساعدات الإنسانية. وقد زادت في الآونة الأخيرة وطفت على السطح بل بات بعضها يباشر مهامه التنصيرية بشكل معلن وهي التي قامت بتأجيج نزعة انفصال الجنوبيين وإثارة النزعات الطائفية والدينية حتى تمكنت من تحقيق أهدافها .. وقد ترافقت هذه الحملات التبشيرية مع دعاية إعلامية قوية من الغرب وبخاصة من الولاياتالمتحدةالأمريكية التي سال لعابها أمام بحيرات النفط الهائلة التي يرقد فوقها الجنوب السوداني، فذهبت بعيدا في دعم انفصال الجنوب من خلال إثارة النزعات الدينية بين شطري البلاد.