أعلن وزير الداخلية مساء أول أمس عن القائمة الجديدة للولاة بمختلف جهات الجمهورية. وتناقلت أكثر من جهة حزبية وإعلامية أن أكثر من ثلثي الولاة المعيّنين ينتمون للتجمّع الدستوري الديمقراطي... ولسائل أن يسأل.. هل سيحدث هذا «الاختيار» زوبعة جديدة تضاف لسلسلة الزوابع التي تعيشها البلاد.. وإن كان ذاك هو الحال أفلا يكفي من مضيعة للوقت بعد الإعلان عن التركيبة الأولى لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة وما رافقتها من احتجاجات دامت لأيام... مما حدا برئاسة الحكومة إلى مراجعة هذه القائمة والتخلي عن بعض الأسماء المحسوبة على التجمع... وهل هذه المرحلة الدقيقة من عمر الثورة التي تعيش على وقعها كل القطاعات في البلاد تحتمل مزيدا من إضاعة الوقت بالدخول مجدّدا في مهاترات نتيجة تعيين البعض من هؤلاء الولاة... في وقت يفترض فيه القطع مع كل رموز النظام السابق؟ ثم أليس الولاة هم ممثلو رئيس الجمهورية وبالتالي لهم كامل الصلاحيات في متابعة جميع الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المستوى الجهوي...؟ إنّ تونس المقبلة على ورشة كبرى من الإصلاحات التي تفترض عنصر الاستقرار حتى تُنجز في ظرف وجيز قد تجرّها مثل هذه التعيينات إلى تأجيل ما لا يمكن تأجيله بسبب بعض الأسماء المحسوبة على التجمع والتي قد يُساهم مجرّد تعيينها في جهات معينة على إثارة الاحتجاجات الرافضة لذلك. نسوق مثل هذه الملاحظات المبنية أساسا على احتمالات لأنّ ملفات حساسة ودقيقة تفترض اليوم التعاطي معها بقدر من الاستقلالية بعيدا عن التجاذبات الحزبية.. ومن هذه الملفات التشغيل وما يستدعيه من جهود مضنية ومن شفافية واستقامة عند الانتداب... وترسيم الأعوان العرضيين والوقتيين الذين طالت انتظاراتهم وهم بين غاد ورائح عن مكاتب الولاة السابقين... وكذلك الإعداد للانتخابات المنتظرة سواء التشريعية أو الرئاسية وما تتطلبه من نزاهة ومصداقية في التحضير لها.... ثم مسألة توزيع الإعانات الموجهة للعائلات المعوزة وبطاقات العلاج المجاني... وما مدى احترام المقاييس في ذلك. ولا ننسى إعادة الحياة للمؤسسات التي نهبت وحرقت وهي التي كانت تشغل الآلاف الذين أصبحوا اليوم دون مورد رزق... وإعادة النظر في المعامل والشركات التي غادرها أصحابها من المستثمرين الأجانب والتي تمثل مصدر حياة لآلاف الأسر التونسية... والقطاع السياحي الذي أصبح مشلولا وما قد يخلفه ذلك من انتكاسة اقتصادية لها تأثيرها العميق... يضاف لكل هذه الملفات الدقيقة الملف الأمني باعتبار أن جوهر التنمية هو الاستقرار... إنّ السؤال الذي يخامر البعض هو كيف سيتعاطى هؤلاء الولاة مع مثل هذه القضايا الجوهرية... وهل للمواطن بعد أن تحرّر من القيود التي كبلت إرادته لعقود رأي في مثل هذه التعيينات؟