من المآسي البارزة التي يعيشها الشعب العراقي اليوم تفكك الرابطة الوطنية لديه لتحل محلّها الرابطة المذهبية والعشائرية... نتيجة الفرز الحادّ بين أفراد الشعب الواحد بعد أن تفجر التوتر الطائفي وتحوّل إلى أعمال وحشية أساسها سفك الدماء وعمليات القتل الانتقامية بين مختلف الطوائف. لقد كانت بغداد مثلها مثل أغلب المدن العراقية الكبرى تضم تجمعات شيعية وسنيّة تعيش جنبا إلى جنب لأجيال متعاقبة... تجمعها الهوية والانتماء للوطن... ومع احتلال قوات التحالف لهذا البلد عملت الإدارات الأمريكية المدنية والعسكرية المتعاقبة على تغذية النعرات الطائفية وزعزعة هذه الرابطة وتسليح الميليشيات والمرتزقة للقيام بأعمال وحشية ضد كل من يقاوم الغزو وسعت الحكومات العراقية المنصّبة إلى تعميق الهوّة بين مكونات المجتمع مما ساهم في تأجيج روح الانتقام والقتل على الهوية الطائفية. ومع تزايد القمع والاعتقالات والاغتيالات أصبحت البلدات والقرى ومحيط المدن الكبرى ذات التجمعات السكانية المختلطة بين الشيعة والسنة ميادين قتال وتصفية مما أدى إلى ظهور مئات المستوطنات هنا وهناك تضم آلاف النازحين من ديارهم بحثا عن ملاذ آمن بعيدا عن العنف المستشري. وبناء على تقارير أممية رسمية بلغ عدد النازحين في الداخل حوالي المليونين والنصف مليون وذكرت هذه المصادر أن ستين ألف نازح يغادرون ديارهم كل شهر كما يعتقد أن ما لا يقل عن مليوني عراقي قد فرّوا منذ بداية الغزو لدول أخرى من بينها سوريا والأردن. لقد أصبحت المخيمات والمستوطنات - بعيدا عن المدن - ظاهرة متفشية انتشرت بشكل حاد لتضم آلاف العائلات التي فقدت موارد رزقها والرعاية الصحية وعجزت عن إلحاق أبنائها بالمدارس هروبا من حمامات الدم. واتخذت هذه المستوطنات مع الوقت أرقاما لها كدلالات جغرافية على تخوم نهري دجلة والفرات وفي الاراضي القاحلة والصحاري العراقية بعد أن أصبحت تجمعات تضم مئات الأسر... ولكن بدون اسم. لقد أصبح الصراع من أجل البقاء والحياة المطمح الأول والأخير لملايين العراقيين الذين فقدوا منذ بداية الغزو ممتلكاتهم وذويهم والمقوّمات الأساسية للحياة... ولم يبق لديهم سوى الحفاظ على آدميتهم للعيش بعيدا عن الميليشيات والمرتزقة وجنود الاحتلال. وفي ظل هذه الأوضاع المأساوية لشعب بأكمله في العراق يتزايد الغضب بشكل غير مسبوق على الجانب الآخر من الكرة الأرضية حيث تشير تقارير لمراكز بحث واستقصاء للرأي العام في الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى أن نسبة 81% من الشعب الأمريكي غاضب للغاية تجاه إدارة بوش كما أظهرت أن عدم الرضا الشعبي لم يقتصر فقط على الإدارة الأمريكية بل طال أيضا المؤسسة التشريعية «الكنغرس» التي عجزت عن كبح جماح هذه الإدارة.