إذا كانت بعض الدوائر الرسمية التونسية لم تستوعب الثورة التونسية واستتباعاتها الإعلامية والسياسية والشعبية، فإن السفير الفرنسي بتونس، بوريس بوايون، لا يبدو أنه استوعب اللحظة التاريخية التي تعيشها بلادنا، وتصرف مع إعلامنا وصحفيينا "بأسلوب قديم"، وصفه بعض الناشطين الحقوقيين ب "المواقف الاستعمارية" لسفير كان يفترض أن يتحلى بكثير من الهدوء وهو يجيب على أسئلة إعلاميين في مؤتمر صحفي.. قد لا يكون بوريس بوايون تعود طرح مثل هذه التساؤلات في منابر إعلامية أخرى عندما كان سفيرا لبلاده في العراق وبعض دول الشرق الأوسط، لذلك أظهر الرجل الكثير من التوتر خصوصا عندما طرح عليه سؤال هو بمثابة "الفخ"، ليس من حيث صيغته التي اتسمت بكثير من الذكاء (ما هي الدروس التي لا يمكن لفرنسا أن تقدمها إلى تونس؟)، وإنما لكونه مس في العمق الأجندة الفرنسية التي تعودت إعطاء الدروس إلى دول ما تزال باريس تعتبرها على الأرجح "حديقتها الخلفية"، ومن ثم تستغرب من بعض مواطنيها، عندما يواجهونها بشجاعة وجرأة واستقلالية.. والحقيقة، أن الدبلوماسية الفرنسية تعيش مأزقا في علاقة بالتطورات التي حصلت في تونس منذ اندلاع أحداث سيدي بوزيد والقصرين، عندما عرضت وزيرة خارجيتها، ميشال آليو ماري، على الرئيس المخلوع مده بمعدات لقمع الاحتجاجات الشعبية، وهو الموقف الذي نزع القناع عن فرنسا ساركوزي، التي كانت الذراع الإعلامية والسياسية المساندة للرئيس الهارب طوال فترة حكمه الحديدي في تونس، ولكنه الموقف الذي أثار حفيظة التونسيين بشكل غير مسبوق، على اعتبار أن ذلك تدخلا غير مبرر في الشأن التونسي، ومحاولة فرنسية يائسة للإبقاء على ديكتاتور من أجل مصالح كان يمكن الظفر بها عبر سياسة فرنسية أكثر احتراما للتونسيين وإرادتهم وعقولهم.. لا شك أن فرنسا مطالبة بتعديل سياستها الخارجية، وتغيير "خطابها الفوقي" مع التونسيين، أما السفير يوريس بوايون، الذي قدم اعتذاره أمس الأول، فهو مطالب بأن يحذر في تصريحاته، لأن الأسلوب الذي أجاب به على أحد الصحفيين، لا يمثل إهانة للإعلاميين فحسب، إنما أهان كذلك ثورتنا التي قامت من أجل الكرامة، الكرامة في أبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية، وفي عمقها الذي يشير إلى السيادة التونسية واستقلالية القرار التونسي، واحترام إرادة شعبنا..