باغتيال النائب أنطوان غانم يزداد لبنان غرقا في الأرقام حيث أصبحت لغتها محددا أساسيا لحاضر لبنان ومستقبله ومقياس حرارة للحياة السياسية التي سيكون تاريخ 25 سبتمبر موعدا لاختبار النوايا واتضاح الرؤية بخصوص موازين القوى الفاعلة في الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ ثلاث سنوات إثر اغتيال رفيق الحريري ليكون النائب غانم الضحية الثامنة في سلسة الاغتيالات ولينخفض عدد نواب تحالف 14 آذار الموالين لحكومة السنيورة من 69 نائبا إلى 68 من أصل 127 نائبا في البرلمان الذي سيتولى انتخاب رئيس جديد بشرط حضور ثلثي النواب . وباستثناء تعهد نبيه بري رئيس البرلمان بعقد الجلسة الانتخابية في موعدها لا يبدو أنصار الحكومة ومعارضوها مستعدين للاتفاق على إسم مرشح معين خصوصا أن فريق 14 آذار لديهم مواصفات معينة في مرشحهم أو مرشحيهم بينما تريد المعارضة مرشحا لها يخلف الرئيس الحالي إيميل لحود المحسوب على سوريا ولا يكون ضمن توجهات الأغلبية البرلمانية . ولكن المسألة ولئن كانت تخضع نظريا لمنطق حسابي أي حصول المرشح على أغلبية أصوات البرلمانيين بعد حصول توافق بين جميع الحساسيات السياسية فإن هذه الانتخابات الرئاسية تجري على خلفية أزمة سياسية تجسمها صراعات بين أنصار الحكومة المدعومة من قبل البلدان الغربية الفاعلة والمعارضة التي تلقى تأييدا من طهران ودمشق ولعل هذا الوضع هو الذي يغذي تمسك كل طرف بمواقفه مما قد يؤدي إلى أزمة بل ربما فوضى دستورية في حالة عدم التوصل إلى انتخاب رئيس جديد يتولى مهامه في نوفمبر القادم . وهذه الأزمة ومثيلاتها في لبنان تحيل إلى طبيعة النظام السياسي في البلاد القائم على توافق الطوائف حول مؤسسات الدولة بتوزيع المسؤوليات ال«كبرى» بين الطوائف الثلاث المارونية لرئاسة الدولة والسنية لرئاسة الحكومة والشيعية لرئاسة البرلمان، فهذه الرئاسات الثلاث تحاول دوما الاتفاق ضمن توافق يسعى دوما إلى الابقاء على توازن طائفي هش بفعل التغيرات الديموغرافية في صلب الطوائف ولكن الخلافات السياسية في هذه المرة قد تفجر هذا التوافق وتفتح كل الاحتمالات . وفي ظل الاتهامات الموجهة لسوريا بخصوص سلسلة الاغتيالات ولإيران بدعم تنظيم «حزب الله» والاتهامات الموجهة من قبل المعارضة للحكومة بالانحياز للمواقف الغربية وخصوصا أمريكا وفرنسا التي تريد لعب دورها «التاريخي» في لبنان واتهامات أيضا بالتنسيق مع إسرائيل يصعب التكهن بما ستسفر عنه أزمة الانتخابات الرئاسية التي يمكن القول أن المعارضة ومن خلالها تمسك بإحدى أهم أوراقها. إن ما تشهده المنطقة من تفاعلات مثل الملف النووي الإيراني والتهديدات الإسرائيلية لسوريا ومحاولة واشنطن عقد مؤتمر حول الشرق الأوسط واشتداد الضغط على الإدارة الأمريكية بشأن مستقبل القوات الأمريكية في العراق من شأنه أن يلقي بظلاله على الانتخابات الرئاسية اللبنانية حيث يصبح الوفاق حتميا على أحد المرشحين لتحقيق بعض الانفراج في الأزمة السياسية . ويحتفظ تاريخ لبنان برقمين يتعلقان باغتيال رئيسين هما بشير الجميل في 14 سبتمبر1982 قبيل توليه مهامه وهو ما شكل ذريعة لشارون لغزو بيروتالغربية وارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا وروني معوض في 22 نوفمبر 1989 الذي لم يقض في الرئاسة سوى 17 يوما فقط وهو ما يعني أن للأرقام دلالتها ويتعين الاتفاق على رئيس تفاديا للانقسامات الفعلية في بلد لا يحتمل انفراد أية طائفة بالقرار أوانشقاقها واستقلالها.