عاجل: هذا ما تقرر في قضية المجمع الكيميائي التونسي..    عاجل/قرار بتعليق النشاط..تونس دون قوارير غاز منزلي ليومين..    رياضة : فخر الدين قلبي مدربا جديدا لجندوبة الرياضية    البطولة الوطنية المحترفة لكرة السلة: برنامج مباريات الجولة العاشرة    كاس امم افريقيا (المغرب 2025): "حققنا الفوز بفضل القوة الذهنية والانضباط التكتيكي" (مدرب منتخب الكاميرون)    مع Moulin d'Or : قصّ ولصّق وشارك...1000 كادو يستناك!    الدورة العاشرة من المهرجان الدولي للابداع الثقافي من 26 الى 28 ديسمبر الجاري    صامويل تشوكويزي: كأس افريقيا يجب أن تحظى بنفس درجة إحترام كأس العالم    السجن لطالب بتهمة ترويج المخدرات بالوسط الجامعي..#خبر_عاجل    عاجل/ انتشال جثامين 14 شهيدا فلسطينيا من تحت الأنقاض في خان يونس..    كأس أمم إفريقيا: برنامج مقابلات يوم غد    عاجل: عاصفة مطرية وثلوج تتجه نحو برشا دُول عربية    هذه أقوى عملة سنة 2025    لكلّ تونسي: مازال 5 أيّام اكهو على آخر أجل بش تخلّص ''الزبلة والخرّوبة''    كيفاش نقول للآخر ''هذا الّي قلّقني منّك'' من غير ما نتعاركوا    تحذير خطير للتوانسة : ''القفالة'' بلا ورقة المراقبة يتسببلك في شلل و نسيان    عاجل/ كأس أمم أفريقيا: الاعلان عن اجراء جديد يهم جميع المباريات..    الاتحاد الإنقليزي يتهم روميرو بسوء التصرف بعد طرده أمام ليفربول    سهرة رأس العام 2026.. تفاصيل حفل إليسا وتامر حسني في هذه الدولة    عامر بحبة: منخفض جوي يؤثّر على تونس بداية من مساء الجمعة ويتواصل إلى نهاية الأسبوع    صحفي قناة الحوار التونسي يوضح للمغاربة حقيقة تصريحاته السابقة    عاجل/ تركيا ترسل الصندوق الأسود لطائرة الحداد إلى دولة محايدة..    بداية من من غدوة في اللّيل.. تقلبات جوية وبرد شديد في تونس    عاجل: تقلبات جوية مرتقبة بداية من هذا التاريخ    ينشط بين رواد والسيجومي: محاصرة بارون ترويج المخدرات    نيجيريا: قتلى وجرحى في هجوم على مسجد    عاجل : اليوم نشر القائمة الاسمية لرخص'' التاكسي '' بأريانة بعد شهور انتظار    نانسي عجرم ووائل كفوري ونجوى كرم يحضروا سهرية رأس السنة    بداية من اليوم: تحويل حركة المرور في اتّجاه المروج والحمامات    مصر.. دار الإفتاء تحسم الجدل حول حكم تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد    قرار لم يكن صدفة: لماذا اختار لوكا زيدان اللعب للجزائر؟    النوبة القلبية في الصباح: علامات تحذيرية لازم ما تتجاهلهاش    عاجل: توافد حالات على قسم الإنعاش بسبب ال GRIPPE    بعد حادثة ريهام عبد الغفور.. نقابة المهن التمثيلية تعلن الحرب على مستهدفي نجوم مصر    رئيس الجمهوريّة يؤكد على ضرورة المرور إلى السرعة القصوى في كافّة المجالات    ويتكوف يكشف موعد المرحلة الثانية من اتفاق غزة    ترامب مهاجما معارضيه في التهنئة: عيد ميلاد سعيد للجميع بما في ذلك حثالة اليسار    كوريا الشمالية تندد بدخول غواصة نووية أمريكية إلى كوريا الجنوبية    اليوم العالمي للغة العربية ... الاحتفاء بلغة الضاد ضرورة وطنية وقومية لحماية الهوية الثقافية    فوز المرشح المدعوم من ترامب بالانتخابات الرئاسية في هندوراس    قيرواني .. نعم    تحت شعار «إهدي تونسي» 50 حرفيّا يؤثّثون أروقة معرض هدايا آخر السنة    نجاح عمليات الأولى من نوعها في تونس لجراحة الكُلى والبروستاتا بالروبوت    الليلة: الحرارة تترواح بين 4 و12 درجة    هيئة السلامة الصحية تحجز حوالي 21 طنا من المواد غير الآمنة وتغلق 8 محلات خلال حملات بمناسبة رأس السنة الميلادية    تونس 2026: خطوات عملية لتعزيز السيادة الطاقية مع الحفاظ على الأمان الاجتماعي    اتصالات تونس تطلق حملتها المؤسساتية الوطنية " تبرّع المشجعين"    الديوانة تكشف عن حصيلة المحجوز من المخدرات خلال شهري نوفمبر وديسمبر    القصور: انطلاق المهرجان الجهوي للحكواتي في دورته الثانية    عدّيت ''كوموند'' و وصلتك فيها غشّة؟: البائع ينجّم يوصل للسجن    تزامنا مع العطلة المدرسية: سلسلة من الفعاليات الثقافية والعروض المسرحية بعدد من القاعات    عاجل/ بعد وصول سلالة جديدة من "القريب" إلى تونس: خبير فيروسات يحذر التونسيين وينبه..    حليب تونس يرجع: ألبان سيدي بوعلي تعود للنشاط قريبًا!    تونس: حين تحدّد الدولة سعر زيت الزيتون وتضحّي بالفلاحين    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شذرات في أنتروبولوجية الثورة التونسية
نشر في الصباح يوم 12 - 03 - 2011

بقلم: مهذب زعفوري إن التأمل الفاحص في الأحداث التي جرت بين 17 ديسمبر تاريخ إندلاع الشرارة الرمز عندما أقدم في سيدي بوزيد محمد البوعزيزي -رحمه الله وأسكنه جنان فردوسه- ويوم فرارالمخلوع الجبان وما سبق ذلك من انتفاضة شرفاء الحقل المنجمي وأحرار الجنوب التونسي في رأس جدير ثم ما تلى منتصف شهر جانفي من أحداث.
هذا التأمل يُحيلنا على أقدم التجمعات البشرية في شكلها الحضاري. أليست الحضارة «القبصية» إن لم تكن من أقدم الحضارات البشرية في تاريخ الإنسانية فهي أقدمها؟!
ألم يخبرنا علماء أنتربولوجيا علمي التاريخ والإجتماع أن معرفتنا للجنس البشري في شكله الحضاري لا تتجاوز 13500 سنة وأن البشرية في شكل وشائجها الإجتماعية لا تتجاوز 8000 سنة.
هذه التواريخ تحيلنا على حدود المسألة الجغرافية التي لا بد لنا من النظر إليها بعين الرأي والروية والتأني.
ألم توفر هذه الأرض الطيبة نتاجا فكريا ورد صداه في القرآن الكريم عندما ألقى موسى بعصاه وسط الجمع وكان فرعون على عظمة الحضارة الفرعونية قد استعان بسحرة استجلبهم من هذه الجغرافيا؟
وارتباط السحر بالمعرفة لا شك فيه والاحالات التاريخية مرتبطة بالأسطورة.
أليس علم التاريخ نشأ من الأسطورة؟
وأتباع موسى أنفسهم عندما حُطمَ هيكلهم لاذوا بالفرار حاملين معهم الحجرة الغريبة موعدهم جربة ؟!
ثم المسيح عندما نكل به اليهود لاذ بعض اتباعه بهذه الربوع وتاريخ المسيحية كاد أن يذوي لولا اعتناق زوجة ملك الروم الديانة النصرانية ثم اقنعت زوجها باعتناق تلك الديانة وذلك في أواخر القرن الثالث وبناء على ذلك ظلت المسيحية خلال كل هذه الحقبة نسيا منسيا لولا لجوء اتباع المسيح وبناؤهم لأول معبد في التاريخ المسيحي يبدو أنه موجود في منطقة بين بسيدي بوزيد وقفصة. ولولا ذلك لما كان للكُنْسِيلْ الأول أن يُعقد في روما؟
ثم لماذا اختار حنبعل الذي روع بروج روما في حربه الفاصلة منطقة «زاما» والمعروف في تاريخ الحروب أن القائد المحنك هو الذي يختار جغرافية المعركة ولا يمكن أن يساورنا الشك في حنكة حنبعل باعتبار أن خططه العسكرية تدرس إلى اليوم في الكليات الحربية.
ثم أين تقع زاما؟
على كل حال لا يمكن أن تكون زاما في الجبال الوعرة لأن الحروب الكبرى القديمة منها والحديثة لا تقع إلا في السهول ولا يلتجئ إلى المناطق الوعرة إلا الذي يريد أن يتحصن.
ومهما كان من أمر هذه الجغرافيا فإنها الثغرالأقصى للجغرافيا التي علينا التأمُلُ في شأنها.
والسؤال المطروح هو لماذا لم تجر أحداث هذه المعركة الفاصلة في قرطاج أوتخومها؟ ولماذا زاما؟
لا لَبْسَ أن حنبعل يعرف أن النصرة لا تكون إلا في أهل زاما. فكان لزاما عليه أن ينشدها في سكان الجغرافيا التي حددناها.
ثم لماذا اختار جرجير في آخر حملة إسلامية وهي سابع حملة من الحملات السبعة المتتالية على أرض إفريقية السهل الفاصل بين تَقْمُوتَةَ وسفيطلة؟
أليس الأجدر به أن يختار ثغور مملكة عليسة؟!
وقتل جرجير وتمزق المُلك أيدي سبا وركز المسلمون حاضرتهم في أرض القيروان فزيادة على المسالة الجغرافية كان لا بد من الإنتصار بسكان تلك الربوع.
ورغم ذلك لم تتكلم إفريقية طيلة ما يزيد عن 380 سنة اللغة العربية التي كانت محصورة في الحواضر الإسلامية في بلاد افريقية ولم يتم لها ذلك ولم تنتشر اللغة العربية على حد ما أورده العلامة ابن خلدون إلا عندما قدمت ورغمة وزُغبَة وريَاح وبنوسليم، عندها عمت العربية وانتشرت انتشارا لا رِجعة فيه.
ولماذا اختارت هذه القبائل الحدود الجغرافية التي اشرنا إليها؟
ثم لماذا لم يتجرأ الإسبان على التوغل وتحصنوا في البروج الممتدة على السواحل التونسية إنه الذعر والخوف والهلع من سكان الجغرافيا التي حددناها؟
ثم جاء العثمانيون فناوأتهم تلك المجتمعات ووصل الأمر إلى حد افتكاك ما كانوا يجمعونه من جباية وأعوزتهم الحيلة في السيطرة على افريڤيا وبلاد الجريد والقائمين على الرعي وباءت «امحلاتهم» بالفشل. رحم الله علي بن غذاهم الذي قسم تلك الأموال التي افتكها بالعدل والقسطاس مستعملا «الكَبوسْ» كوحدة جديدة للكيْلِ.
ثم أخيرا وليس آخرا وفي فترة الإحتلال الفرنسي إعلم يا صديقي أن أولَ رصاصة في وجه المستعمر سنة 1881 وآخر رصاصة قبيل الإستقلال وجهها المجاهدون في صدور الظلم والطغيان من سيدي بوزيد كرمها الله. وأول رصاصة حية أصابت شهيدا في الأحداث الأخيرة أردت حفيد الحسين بوزيان قتيلا.
رحمك الله يا أخي وأسكنك جنان فردوسه.
والموعظة الحسنة مما تقدم أنه وخلال هذه الحقبات التاريخية التي تمتد على تاريخ البشرية الذي أمكن تحسسه أُحتُقِرَتْ هذه الجغرافيا بمن فيها ووقع النظر إلى هذه المجتمعات بازدراء وقيل في شأنهم «لاَ تُجِيعُهُمْ ولاَ تُشبِعُهُمْ»، وقيل في شأنهم «السخَطْ»، ولم يلتفت إلى شأنهم الحكام.
نظر إليهم الرومان والإسبان والعثمانيون والفرنسيون وغيرهم على أنهم مجرد فلاقة والحقيقة أنهم عنوان للمواطنة والكرامة.
إن الإلتفاف على الثورة مآله الإندحار. ألم تدم الثورة الفرنسية ما نَيفَ عن 80 سنة؟ واعتصامات ساحة القصبة مجرد نذير إن هذا الشباب الثائر حري بالإحترام، حري بالإستماع إليه. إنه يريد بكم خيرا أتركوه يكتب سطور الحرية في أنبل معانيها.
وإذا نجحنا في فهم الحرية والمواطنة والكرامة سجلت تونس الحبيبة أعظم ديموقراطية في الكون وصارت قبلة أبدية.
أتمنى أن لا ينطبق هذا البيت للشاعر العربي القديم.
أنعِمِي أمَ خا لد رُبَ سَاع لقاعد
بل أن ينطبق البيت الثاني للشاعر الحديث.
سَاعَاتْ نَبْدَى مْعَرِي فِي جَردْ كِتَانْ بَايِدْ
وَسَاعَاتْ نَبْدَى انْذَري فِي تُوقْ يَاسِر بْزَايِدْ
أستاذ الحضارات المتوسطية في الجامعات الفرنسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.