بقلم: حامد النقعاوي لطالما اثار احداث اللجنة المذكورة نقاشات قانونية حول مدة التداخل بين الصلاحيات المسندة لها بموجب مرسوم احداثها وبين الاختصاصات الدستورية للقضاء. فرأى بعض الحقوقيين اننا بصدد قضاء مواز للسلطة القضائية حيث منح المشرع لهذه اللجنة اختصاصا بالتحقيق في جرائم الفساد وهذا الاختصاص هو من مشمولات النيابة العمومية بل ان بعض الحقوقيين تجاوزت حد النقاش النظري الى رفع امرهم الى القضاء طالبين وقف نشاطات هذه اللجنة والزامها بتسليم ملفاتها الى النيابة العمومية لذا فانه يتعين الوقوف على حقيقة الامر فهل من تداخل بين اختصاصات هذه اللجنة واختصاصات السلطة القضائية؟ للاجابة لا بد اولا من توضيح عبارة السلطة القضائية اذ يميز الشرّاح بين شقي القضاء الجالس والواقف وظيفيا ولكن لا احد ميز بينهما (على حد علمي) من جهة انتمائهما الى السلطة القضائية فهل ينتمي وكيل الجمهورية ومساعدوه ورؤساؤه الى السلطة القضائية؟ لا شك ان وظيفة السلطة القضائية قول كلمة القانون في ما يعرض عليها من منازعات وهذا القول هو الفصل الذي لا يتم الا بصفتين معلنتين وهما الحياد والاستقلالية. وما أدى ذلك أن للسلطة القضائية معايير ثلاثة هي الحياد والاستقلالية وسلطة الفصل في المنازعات الا ان النيابة العمومية تفتقر الى هذه المعايير فهي تتصف بالحياد لأنها طرف في القضايا الجزائية فتقف في مواجهة المتهم امام الهيئة القضائية وتطلب له الادانة. فكيف تكون النيابة العمومية خصما للمتهم وتنتمي في الوقت ذاته الى السلطة القضائية، وكيف يخاصم المتهم السلطة القضائية؟ او جزءا منها وهل في ذلك عدل او مساواة؟ والنيابة العمومية لا تتمتع بالاستقلالية اذ يخضعها القانون لسلطة وزير العدل للرئاسية وينص على عدم تجزئتها على نحو لا يتيح للعضو بها ان يستقل بقراره. والنيابة العمومية لا تفصل في المنازعات القضائية بل يفصل فيها المجلس القضائي مدنيا كان او جزائيا فضلا عن القضاة الفرديين لذلك فان وظائف النيابة العمومية هي وظائف وزير العدل بوصفه رئيسا لهذا الجهاز القضائي ووزير العدل لا ينتمي الى السلطة القضائية وانما الى السلطة التنفيذية لذا لا يمكن القول ان وظيفة التحقيق في الجرائم هي وظيفة السلطة القضائية وعليه فان ما اوكل الى اللجنة الوطنية للتحقيق في مسائل الرشوة والفساد لا مساس له باستقلالية وبمجال الاختصاص الاقصائي الممنوح دستوريا الى السلطة القضائية. ان ما اثير من نقاشات وخاصة على الهواء في بعض الحلقات التلفزية التي بثتها احدى الفضائيات التونسية بين اعضاء اللجنة وبعض من تصدى لها لم يستند الى اسس قانونية سليمة، فأدى الى توتر العلاقات بين المتدخلين في هذا الشأن دون مصلحة ترجى.