*ورد علينا من السيد كمال العيادي عضو مجلس المستشارين تعقيبا حول مقال زميلتنا آسيا العتروس الذي نشر على أعمدة جريدتنا بتاريخ 12 مارس 2011، ننشره كاملا، وهذا ما جاء فيه: أستسمحكم نشر هذا التعقيب كاملا على المقال الصادر بجريدة الصباح الغرّاء بتاريخ السبت 12 مارس الصفحة الخامسة بقلم السيّدة أسيا العتروس تحت عنوان "السادة النواب متى يكون الحساب؟"لكي لا يختلط الحابل بالنابل. في البداية أودّ أن أؤكّد و أنّ هذا الردّ ليس نيابة عن أعضاء مجلسي النواب والمستشارين فلست مفوّضا لذلك، ولا يمكن لي أن أستحضر القرائن والدلائل التي قد يرغب هؤلاء توظيفها للردّ على صاحبة المقال، و ربّما لا ترتقي ردودي إلى ما يطمح إليه الأعضاء، و بذلك أكون قد تجنّيت عليهم وحمّلتهم ما لا رغبة لهم فيه. كلّ ما أملك أن أقوله هو النطق باسمي الخاصّ بصفتي عضوا بمجلس المستشارين معني مثل غيري بالكلام الذي ورد بالمقال المذكور والذي أعتبره مجانبا للحقيقة من وجهة نظري، بل أكثر من ذلك فهو يمثّل تجنّيا على شخصي المتواضع وعلى من يلتقون معي في هذا الردّ، و هو ما سيجعلني في سياق كلامي أسوق بعض المواقف الشخصيّة، ليس من باب المواراة والتباهي، لأنّ الحياء والتواضع اللذان أعتبرهما من أوكد القيم يمنعاني من ذلك، ولكن أقدم هذه المواقف من أجل تقديم بعض العناصر لدحض النعوت التي خصّت بها كاتبة المقال جميع أعضاء المجلسين دون تمييز أو استثناء. فلقد تحاملت كاتبة المقال على أعضاء مجلسي النواب والمستشارين ونعتهم بشتى النعوت واضعة الجميع في نفس السلّة، بعيدا عن الموضوعيّة العلميّة، ولم تكلّف نفسها عناء البحث في خصوصيات المجلسين واختلاف أعضاؤهما على أكثر من صعيد، بل اختزلت أدوارهم بدون استثناء في تقديم بيانات التأييد والتصفيق للنظام السابق والتي حسب قولها اتّخذوا منها «مهنة». كم تمنيّت لو كانت لكاتبة المقال الجرأة في نشر هذا الكلام قبل الثورة المباركة، لربّما كان له عندئذ الأثر الطيّب في تغيير الأمور نحوالأفضل وفي إحراج النواب والمستشارين، وربّما دفعهم ذلك أو دفع ببعضهم على الأقلّ، إلى مراجعة أنفسهم و تغيير ما بذاتهم، وإن لم يكن ذلك فإنّ صاحبة المقال تكون قد قامت على الأقلّ بواجبها حسب ما يمليه عليها ضميرها. ولكن أن يصدر المقال في هذا الوقت وبهذا التحامل فهو ينزع عنه المصداقيّة ويضعه في خانة ركوب الأحداث والبحث عن الإستجابة للرغبة الجماهيرية، حتّى وإن لم تكن تلك هي غاية صاحبة المقال، وربّما يشرّع لتأويلات أخرى من وحي ما أصبح يردده الشارع بخصوص المنحى الذي أتخذته وسائل الإعلام، مع بعض الإستثناءات، في ركوب الأحداث و تهييج المشاعر وتغذية روح الإنتقام من أجل البحث عن عذريّة جديدة، ولفت الأنظارعن الأدوار التي لعبتها وسائل الإعلام هذه في العهد السابق. ليست الغاية من هذا التعقيب النبش في ماضي الإعلام ولا تقييم أدواره، فلا أسمح لنفسي بذلك، ولا أسمح لنفسي بتوجيه اللوم إلى الغير. فالأحرى بالفرد أن يلوم نفسه قبل غيره، و يبحث عن أخطائه ليصلح ما بذاته قبل تحميل المسؤوليّة لغيره. من المؤكّد وأنّ أعضاء مجلسي النواب والمستشارين تجمع بينهم صفة تقاسم السلطة التشريعيّة، ولكن هناك اختلاف بين أعضاء كلّ من المجلسين، ليس بمعنى هذا أفضل من ذاك، و لكن هناك اختلاف في التوجّهات والانتماءات والمقاربات والاهتمامات والمسارات المهنيّة ولكلّ خصوصياته. وهناك أيضا اختلاف صلب أعضاء مجلس المستشارين بين كلّ من الأعضاء المسمّون على قائمة الكفاءة الوطنيّة أو أولئك الذين يمثّلون المنظمات الوطنيّة أو الجهات. ففي الوقت الذي اختار فيه أعضاء مجلس النوّاب لأنفسهم هذه المهمّة من خلال ترشحهم باسم أحزابهم وخوضهم غمار الإنتخابات، فإنّ بعض أعضاء مجلس المستشارين لم يسعوا لذلك وفيهم من وجد نفسه صلب المجلس بمحض الصدفة، وهناك من قبل عن مضض. و أعني ما أقول بما أنني كنت من بين الذين وقع إبلاغهم بقرار التعيين بعد ما وقع اتخاذه. و قد كان ذلك مع نهاية سنة 2006، بعد بضعة أشهر من إقالتي من الحكومة بطريقة مريبة، و بعد ما وقع اقتحام وتشميع مكتبي من قبل البوليس السياسي ولم أزل عندها عضوا بالحكومة وحجز أغراضي الشخصيّة من ضمنها حاسوبي الخاص والتي لم أسترجعها إلى حدّ هذا اليوم. و قد تمّ منعي من السفر لمدّة ثلاثة أشهر، و نشرإشاعات حول تواطئي في مؤامرة ضدّ أمن الدولة. مع الإشارة وأنّ دعوتي للحكومة التي لم أمض بها أكثر من سنة ونصف لم تكن من باب الولاء السياسي ولكن بصفتي تكنوقراط مستقل وناشط بالمجتمع المدني وذلك إثر انتخابي على رأس الإتحاد الدولي للمنظمات الهندسيّة وحصولي على عدد من الإعترافات الدوليّة كانت جريدة الصباح قد تناولتها في عديد المناسبات. و لم تنطل إشاعات إقالتي على أحد، بل فهم الرأي العام خيوط المكيدة التي كان الغرض منها إبعادي عن منصبي بعد ما تبيّن وأنّ استقامتي ورفضي لممارسات الفساد كانت نشازا بالنظرإلى الوضع القائم صلب الوزارة التي كنت أعمل بها، و لن أزيد على ذلك لكي لا أدخل في منطق التشفّي والتنكيل، فالتاريخ وحده يقتص للأبرياء من الظالمين. و بعد بضعة أشهر فقط من إقالتي، و بعد شعورالنظام السابق بحرج نتيجة إقالتي بتلك الصورة بدون مبرّر مقنع، و نظرا لموقعي آنذاك على الصعيد الدولي الذي وفّر لي فرص عديدة لمقابلة رؤساء دول وشخصيات سياسيّة هامّة، وباعتبار وضعيتي المهنيّة كموظّف بالقطاع العمومي، فإنّ النظام السابق كان عليه أن يجد مخرجا لهذه الوضعيّة طالما وأنّه لم تتوفّر لديه ما يخوّل له إقصائي من الوظيفة العموميّة. من هنا جاء تعيني بمجلس المستشارين كتسوية لوضعيّة مهنيّة وليس تمييزا أو منّة أومكافئة. ولو كان لي مورد رزق مغاير لما قبلت بذلك التعيين بعد تلك التجربة المريرة التي كادت تؤدي بي إلى السجن و التي خلّفت لديّ شعور بالاشمئزاز. وقد حرصت على امتداد الأربع سنوات التي قضيتها صلب مجلس المستشارين على التدخّل في العمق في المواضيع الإقتصاديّة، العلميّة، والتنمويّة بعيدا على منطق الولاء و لم يرد اسمي قطّ ضمن قائمة المناشدين لبن علي التي كانت جريدة الصباح تنشرها و تحثّ القراء إلى الإنضمام إليها باستمرار. ولم يخب ظنّي في جريدة الصباح و لا في صحفييها الذين كانوا يتصلون بالشخصيات الوطنيّة عقب كلّ خطاب للرئيس السابق للتعليق على الخطاب التاريخي «لصانع التغيير». و لكن كنت شخصيّا ألتمس لهم المعذرة وأعتبر و أنّ لقمة العيش هي التي دفعتهم لذلك باعتبار و أنّ المناخ السياسي لم يكن يسمح سوى بالولاء،أو الصمت أو المقاومة و ما ينجرّ عنها من تبعات. و كنت دوما من المعتقدين و أنّهم قادرون على الأفضل لو تغيّرت الأمور. فكيف يمكن للصحفي أن يغفر لنفسه ما لا يغفره لغيره؟ و لم أكن الوحيد الذي كان يتدخّل في جوهر المواضيع و يقدّم الإقتراحات والنقد للقوانين، فقد كان مجلس المستشارين يعجّ بعديد الأساتذة الأجلاّء أمثال الأستاذ الشاذلي العيّاري و عبد الستار قريسعة، و شخصيات سياسيّة مثل محمد حرمل الذين كانت مداخلاتهم عبارة عن محاضرات في مستوى رفيع تترفّع عن الولاء الساذج. و أدعو كاتبة المقال إلى الرجوع إلى هذه المداخلات و إلى تاريخ هؤلاء و غيرهم لتشعر بالخجل تجاه ما قدمت بشأنهم من نعوت. و يكفي أن أشير عليها بما قمت به شخصيّا خلال السنوات الأخيرة في مجال تدريس مكافحة الفساد في قطاع البنية التحتيّة و نشر أخلاقيات التعامل المهني و التي نظمت في شأنها أربعة ندوات بتونس والحمامات لم تجرأ وسائل الإعلام على تغطيتها، بعدما قمت بإحداث فرع إقليمي بتونس للمركز العالمي لمكافحة الفساد و استضافة و ترأس اللجنة الدوليّة لمكافحة الفساد. و هذه أعمال موثّقة بتواريخها و يمكن الإطلاع عليها بالانترنيت حيث لم تمنعني صفتي كمستشار محسوب على النظام السابق من التحرّك صلب المجتمع المدني الدولي والمحلّي في مجال مكافحة الفساد الذي كان يعتبر الخوض فيه من المحرّمات. و للأمانة أيضا فإن عديد ممثلي المنظمات الوطنيّة و البلديات صلب مجلس المستشارين لم يقصّروا في طرح مشاغل جهاتهم و القطاعات التي يمثّلونها. و في المقابل فإنّه لا يمكن أن ننكر و أنّ عددا من أعضاء مجلس المستشارين كان تعيينهم من باب التمييز و المكافأة لما يقدمونه من خدمات الولاء للنظام السابق والدفاع عنه في الفضائيات و المحافل الدوليّة، و لكن لا يبيح بأيّ حال من الأحوال التعميم و التجني على من اختار لنفسه طريقا مغايرا. لقد ورد بالمقال المذكور آنفا و أنّ حجم الإمتيازات و المنح التي يتقاضاها النواب و المستشارون و التي تصل إلى 7 مليارات من المليمات يمكن أن توفّر فرص عمل للشباب العاطل، و تغافلت على أنّ عددا ليس بالقليل من هؤلاء الأعضاء هم موظفون عموميون موضوعون عن طريق الإحالة بالمجلسين، و بالتالي فإنّ أجورهم ستصرف لهم من ميزانيّة الدولة في كلتا الحالتين. و لا أعتقد و أنّ ما يشدّ أعضاء المجلس إلى البقاء هو الحصول على المنحة البرلمانيّة، فلقد قام عدد من أعضاء مجلس المستشارين بتقديم استقالتهم مباشرة بعد الثورة المباركة، كما تمّ بين أعضاء مجلس المستشارين الذين لم يقدّموا استقالتهم تداول إمكانيّة التبرّع بهذه المنحة إلى المناطق النائية. و أودّ أن أذكر شخصيّا بما قلته بهذا الخصوص في مداخلتي الأخيرة بالمجلس والتي نقلتها التلفزة الوطنيّة كاملة بمناسبة مناقشة قانون التفويض للرئيس المؤقّت في اتخاذ المراسيم حيث قلت في خاتمة مداخلتي « وفي الختام فإني أدعو زملائي إلى التصويت لمشروع هذا القانون طالما و أنّه يعبّر عن رغبة الشعب، و أن نضع أنفسنا جميعا على ذمّة الثورة المباركة، و إذا اقتضى الأمر أن نستقيل جميعا من مجلسنا فليكن ذلك، و إن اقتضت مصلحة الثورة وأن يواصل مجلسنا عمله لكي لا يتسبّب في فراغ دستوري فليكن ذلك أيضا» و في الختام أودّ أن أؤكّد و أننّي أتّفق تماما مع كاتبة المقال في الدعوة إلى المحاسبة، لكن بطريقة عادلة وبعيدا عن منطق التشفّي و الانتقام، كلّ بما اقترفت يداه أو لسانه أو قلمه. إمّا أن يتعمّد البعض، بفضل ما تتوفّر لديهم من منابر إعلاميّة وإمكانيّة التأثير على الرأي العام، جلد الغير فذلك لن يؤدّي إلاّ لمزيد الضغون و الإحتقان و الرغبة في الإنتقام المضاد والأحقاد الدفينة التي يمكن أن تنفجر يوما من الأيّام و هو لن يخدم الثورة و لن يحقّق أهدافها في مجال الإستقرار والعدالة والتنمية. إنّ تونس التي نحبّها لن تبنى إلاّ على قاعدة التسامح والتآخي، مع المحاسبة الحازمة، لكن في إطار الهدوء و ضبط النفس. * عضو مجلس المستشارين الرئيس الفخري للإتحاد الدولي للمنظمات الهندسيّة الرئيس المؤسس للجنة الدوليّة لمقاومة الفساد بالإتحاد تعقيب من منطلق الايمان بان حرية الراي و التعبير حق مقدس للجميع وهو الحق الذي طالما وقعت مصادرته تحت مظلة النظام المخلوع فانه من حق كاتب المقال ان يرد على ما نشر على اعمدة صحيفة «الصباح» المفتوحة على كل الاراء والمواقف. واذا كان صاحب المقال قد رأى فيما نشرما يمكن ان يستهدفه في شخصه كعضو في مجلس المستشارين فهو حر في ذلك تماما كما ان من حقه ان يدافع عن مسيرته كاحد ممثلي هذا الشعب تحت سقف المجلس الذي يعلم القاصي والداني الاسباب التي كانت وراء تاسيسه... ذلك اننا نحن الصحافيين اكثر من عانينا من سياسة تكميم الافواه ومصادرة حقنا في حرية الراي والتعبير ولا يمكن ان نقف دونه لاسيما بعد ان اعادت الينا ثورة الكرامة حرياتنا المصادرة وجعلتنا في المقابل نتقبل كل الانتقادات وكل الاراء التي من شأنها ان تدفع باعلامنا الى الافضل بصدر رحب. صحيح اننا ارتأينا في احيان كثيرة الغياب على السقوط وراء الاغراءات او الخضوع للاملاءات ومحاولات الابتزاز ولكننا نصر على عدم التخلف عن الاستفادة من كل دروس الثورة التي لا يمكن الا ان نفخر بها. وبالعودة الى الرد الوارد علينا ومن منطلق اطلاع القارئ على ما يمكن ان يغيب عليه فقد كان صاحب الرد اتصل بنا هاتفيا واعرب عن غضبه واستيائه للمقال المنشور وهو لئن لم ينف وجود اسماء يشمئز لذكرها في المجلس فقد استعرض مناقبه وهيبته واهدافه السامية في الدفاع عن القضايا الوطنية واوضح ان الامتيازات المذكورة في المقال لا وجود لها وانها تقتصر على «جواز ديبلوماسي الى جانب قلة المشاغل الامر الذي يوفر له ما يكفي من الوقت للقيام بسفراته على مدار السنة والتي تناهز الثلاثين سفرة من اجل لقاءاته وبحوثه العلمية ...»وقد اجبته انه من حقه الرد على المقال بكل حرية لانارة الراي العام وتكذيب ما ورد من اراء ومواقف ولكنه رفض في حينه معربا عن رغبته في ان اجري له حديثا خاصا لتوضيح ما تعرض له من اساءة ومن ظلم ومن اقصاء في مسيرته المهنية وكان ردي واضحا واجبته انه لم يسبق لاي كان ان فرض علي اجراء حديث تحت أي ظرف كان و هو ما لا يمكن ان اقبله...اخيرا وليس اخرا وبعيدا عن استغلال هذا المنبر لاي اغراض خاصة او مصالح ضيقة يكفي الاطلاع على ما وردنا من ردود على البريد الالكتروني للوقوف على موقف جزء من الراي العام ازاء ما نشر... كم تمنينا الاطلاع على رد فعل رافض بشدة لمقال راي مجرد من كل النوايا التي خيل لصاحب الرد انها تسكننا ولكن وللاسف جاءت «المصادقة بالرفض»متاخرة جدا وكم كان اجدر ان تطرح تحت قبة مجلس المستشارين عند تمرير مشاريع قوانين تضييق الخناق على الحريات بما فيها حرية الراي والتعبير"...