فيديو مشحون في بوديوم الكأس: رئيس الملعب التونسي يرفض مصافحة الكنزاري والأخير يدفعه    رجل فرنسي يقتل جاره التونسي بالرصاص وينشر شريطي فيديو عنصريين    بولندا: فوز القومي كارول نافروتسكي بالانتخابات الرئاسية    اليوم.. انطلاق اختبارات الدورة الرئيسية لبكالوريا 2025    طقس اليوم: قليل السحب بأغلب الجهات والحرارة تصل إلى 35درجة    نابل: غرق شاب في قربص والعثور على كهل مشنوقًا في بئر بورقبة    أريانة: انقطاع في توزيع المياه بهذه المناطق من معتمدية سيدي ثابت    بن عروس ..الأضاحي أسعارها من نار .. الحلّ في مقاطعة «علوش» العيد    أيمن بوغطاس ...الهيئة جاهزة لتنظيم الانتخابات البلدية    انتخاب محسن الغرسي عميدا جديدا للمهندسين    الترجي الرياضي التونسي يتسلّم رمز كأس تونس لكرة القدم    في زيارة لجنة العلاقات الخارجية الى بوشبكة وحيدرة..دعوات إلى تطوير البنية التحتية للمعابر    أخبار الحكومة    أجواء احتفالية خاصة بعيد الإضحى .. عادات وتقاليد صامدة... رغم الغلاء    وزير الشؤون الدينية: وفاة طبيعية لحاج تونسي في مكة المكرمة    رجة أرضية قبالة سواحل هرقلة    قربص.. وفاة شاب غرقا    دعوة الى حظر منتجات التبغ المنكهة    وزارة الصحة تقدّم نصائح للوقاية من التسمّمات الغذائية في فصل الصيف..    تونس بوركينا فاسو في رادس...مقابلة ودية بنوايا «ثأرية»    المنستير: يوم إعلامي تحسيسي بجمال حول مخاطر نبتة الشويكة الصفراء الغازية وطرق التوقّي منها ومكافحتها    درجات الحرارة لهذه الليلة..    المعهد الوطني للتراث يعلن اختتام الحفريات الاركيولوجية السابعة لموقع "ثوبوريو مايوس" بولاية زغوان    في يوم واحد: أكثر من 1.100 مهاجر يصلون إلى بريطانيا    باريس سان جيرمان يحتفل مع الجماهير بلقب رابطة الأبطال في الشانزليزيه    عاجل: انتخاب هادية العرفاوي نائبا لرئيس الدورة 113 لمؤتمر العمل الدولي    الصيدليات تعلن عن توقيت العمل الصيفي..    نابل: تضرر مساحات من الطماطم بسبب انتشار الفطريات وتقديرات بتراجع الصابة بنسبة تناهز 40 بالمائة    مصر تطالب "إسرائيل" بالانسحاب من كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة    وفاة 22 رياضيا في حادث تحطم حافلة شمال نيجيريا    عروس برازيلية تثير الجدل بعد وصولها لحفل زفافها بسيارة جنازة.. والسبب أغرب من الخيال!    قفصة تكرّم "شيخ الأدباء "عبد العزيز فاخت    يوم 30 جوان آخر أجل للمشاركة في جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية    قابس: انطلاق فعاليات الدورة السادسة للمهرجان الدولي للسينما البيئية    إطلاق المرحلة التجريبية لتطبيق رقمي جديد لمراقبة وتركيز السخانات الشمسية في تونس    عاجل : إحباط محاولة استغلال حاملي تأشيرات الزيارة لأداء الحج بدون تصريح بمكة    عزيز دوقاز يطارد اللقب في نهائي زوجي بطولة ليتل روك الأمريكية    المؤبد وغرامة مالية لقاتل شاب خلال "براكاج"..وهذه التفاصيل..    حملة جهوية استثنائية للنظافة بولاية تونس    اليوم الأحد: دخول مجاني للمتاحف والمواقع الاثرية والمعالم التاريخية    مباراة ودية: تفاصيل بيع تذاكر مباراة تونس وبوركينا فاسو    جماهير الملعب التونسي.. «البقلاوة» عتيدة والكأس لن تُغادر باردو    كأس العالم للأندية – لوس أنجلوس الأمريكي يُكمل عقد مجموعة الترجي الرياضي    بين الترجي و«البقلاوة» ... نهائي الامتاع    انهيار جسر لحظة مرور قطار شحن عبره في مقاطعة كورسك الروسية    كندا.. حرائق الغابات تخرج عن السيطرة وتنتشر في مساحات شاسعة    أولا وأخيرا .. الضربة الساكتة    ''السوشيال ميديا خطيرة''...نوال غشام تحذّر من انهيار الذوق الفني!    منوبة: مصالح الفلاحة والتجهيز تقوم بمسح أكثر من 280 كلم من المسالك الفلاحية استعدادا لتأمين موسم الحصاد    بالفيديو: تعرف على كيفية إحياء التكبيرات أيام الحج وفضلها    د. كشباطي: المشي والسباحة مفيدان لمصابي هشاشة العظام    مُنتشرة بين الشباب: الصحة العالمية تدعو الحكومات الى حظر هذه المنتجات.. #خبر_عاجل    الموافقة على لقاح جديد ضد "كورونا" يستهدف هذه الفئات.. #خبر_عاجل    صادم/ معدّل التدخين المبكّر في تونس يبلغ 7 سنوات!!    دعاء الجمعة الأولى من ذي الحجة    أسماء أولاد وبنات عذبة بمعاني السعادة والفرح: دليلك لاختيار اسم يُشع بهجة لحياة طفلك    السوشيال ميديا والحياة الحقيقية: كيف تفرّق بينهما؟    منبر الجمعة ..لبيك اللهم لبيك (3) خلاصة أعمال الحج والعمرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور العلوم الاجتماعية في ترسيخ الذهنية الديمقراطية
نشر في الصباح يوم 23 - 03 - 2011

بقلم : فؤاد غربالي لعل من ميزات '' السياسات التربوية'' في عهد بن علي أنها عملت على تهميش العلوم الإجتماعية،والتخصصات لأدبية،والتبخيس من شأنها في أذهان الناشئة عبر عدة طرق وآليات لعل من أبرزها القول بصعوبة إدماج طلاب العلوم الإجتماعية في سوق الشغل مما جعل الأولياء يعملون جاهدين إلى توجيه أبنائهم نحو التخصصات العلمية والدفع بهم عبر الدروس الخصوصية مشطة الأثمان نحو اللحاق بتلك التخصصات ظنا منهم أنها الأقدر على ضمان الشغل بعد التخرج.
الأمر الذي حول المدرسة إلى ما يشبه السوق المفتوحة على ثنائية العرض والطلب التي جعلت منها مجرد جهاز للفرز والإقصاء يعيد إنتاج التفاوتات الإجتماعية، ويكرسها،حيث صار الإلتحاق بالتخصصات العلمية الأكثر تشغيلية، حكرا على أبناء الفئات المترفهة، والقادرة على دفع أثمان الدروس الخصوصية مشطة الأثمان التي عادة ما تشمل المواد العلمية واللغات التي تمكن من الإلتحاق بالتخصصات الجامعية الأكثر قبولا في سوق الشعب بالمقابل يجد أبناء الفئات الفقيرة والمهمشة، الذين يعيشون في الأرياف وأحياء السكن الضحوي العفوي الموجودة على هامش المدن الكبرى، وجزء من أبناء الطبقات المتوسطة المفقرة بفعل الخيارات الإقتصادية الخاطئة، أنفسهم مجبرين بفعل عدم قدرتهم على مجاراة نسق السوق التعليمية على الذهاب القسري إلى العلوم الإجتماعية بلارغبة معرفية وبلا رساميل لغوية، تمكنهم من التميز وتحقيق الإضافة. وهذا أمر تعمل فلسفة التوجيه المدرسي والجامعي السائدة منذ سنوات على تكريسه، فهي لا تأخذ بعين الإعتبار رغبات الطالب أو التلميذ في عملية التوجية بالتوازي مع إمكانياته المعرفية والعلمية. بل على العكس ممن ذلك فقد أسست لثقافة ''الميز العنصري'' بين مجال التخصصات العلمية ومجال الإنسانيات والعلوم الإجتماعية، التي تعتبرلدى القائمين على عملية التوجية المدرسي والجامعي، بمثابة ''القمامة'' التي يرمى فيها جميع المخفقين والفاشلين وكل ضحايا النظام التربوي من أبناء الفئات المهمشة.
إن عملية تهميش الإنسانيات والعلوم الإجتماعية والتبخيس لدى الناشئة إرتبطت بعدة أسباب لعل أولها أن التعليم في عهد بن على لم يكن رهانا سياسيا ضمن مشروع مجتمعي يهدف إلى خلق الفرد المواطن بل كان مجرد أداة لتمرير أفكار، وتوجهات المؤسسات الدولية،ووسيلة للدعاية لأفكار الحزب الحاكم التسطيحية،التي تستهدف تجهيل الناشئة وابعادها عن الإهتمام بالشأن العمومي. لهذا تساوق إستبعاد العلوم الإجتماعية وتهميشها مع ذلك التوجه، فالعلوم الإجتماعية هي مضادة للديكتاتورية، والظلم،وتحمل في مضامينها قيم العدالة، والحرية، والعقلانية، ومن الممكن أن تساعد على تشكيل وعي نقدي وخلق فرد يصعب التلاعب به،قادر على المحاورة،والنقاش وبلورة موقف خاص حر ومستقل. وقد كان لهذا الإستبعاد الممنهج للعلوم الإجتماعية الأثر السئ على جزء من الفئات الطلابية والتلاميذية التي صارت تفتقد لآليات التحليل المنطقي والعلمي لما يحيط بها من هذا المنطلق بالذات نجد أنفسنا في مرحلة مابعد 14 جانفي مجبرين على إعادة الإعتبار للعلوم الإجتماعية،على مستوى البحث والتدريس، في إطار تصور جديد لمعنى المدرسة، يحاول أن يربط بينها وبين فكرة المواطنة،ويؤصل العملية التعليمية ضمن مشروع مجتمعي ونوذج ثقافي شامل بعيدا عن السياسات المرتجلة والمسقطة التي تراهن على الجانب الكمي عن طريق الإستهانة بالجانب الكيفي وكذلك على جعل التعليم أداة لخلق ذوات مستهلكة ليست لها القدرة على إنتاج المعنى والإنخراط بشكل فاعل في الشأن العمومي
من هذه الزاوية تحديدا تتخذ العلوم الإجتماعية بكل تفرعاتها أهميتها الكبرى في مرحلة بناء وتأسيس مجتمع ديمقراطي وفضاء عمومي يتناقش فيه الأفراد بكل حرية وبالقدر نفسه من المساواة.حيث تساعد هذه العلوم، وعلى رأسها علم الإجتماع تحديدا،الفاعلين الاجتماعيين على بلورة وعي مدني، وفهم عقلاني، يتأسس على المعرفة العلمية لما يدور حولهم. فعلم الاجتماع كما يقول المفكر المعروف ألان تورين ''يساهم في أن يتصرف أعضاء المجتمع كفاعلين بقدر الإمكان...وأن يتخلص المجتمع نفسه من نظامه وإيديولوجياته وبلاغته عن طريق إبداع نظم للفعل بواسطتها تصوغ المنظومة الاجتماعية نفسها باستمرار...فهدف علم الاجتماع هو تنشيط المجتمع'' فدور علم الإجتماع والعلوم الاجتماعية بشكل عام من هذا المنظور هودور تنويري يجعله في نضال دائم ومستمر ضد كل أشكال الدوغمائية، والخطابات التبريرية، لماهو قائم وموجود، بل إنه يساعد حتما على إمكانية تشكل الفرد كذات قادرة على معارضة منطق السيطرة الإجتماعية بإسم منطق الحرية والإنتاج الحر للذات الذي يؤدي إلى تأكيد حقوقها في عالم تحول فيه الإنسان إلى موضوع إذن نحن في حاجة لمقاربة جديدة في مجالي التربية والتعليم تستدمج فكرة الديمقراطية وتراهن على ترسيخها في أذهان المتعلمين، عبر المضامين العلمية للمعرفة الفلسفية والسوسيولوجية، والموسيقية والمسرحية التي تحمل بين طياتها إيتيقا أو أخلاقيات التواصل، والعيش المشترك، رغم الاختلافات والتباينات،وهو ما من شأنه أن يدعم فكرة التنوع داخل الفضاء العمومي ويفصح عن الديناميكية الحقيقية للمجتمع التونسي الذي بدأ يسترد القدرة على إنتاج تاريخه الخاص بعيدا عن وصاية الدولة-الحزب وسياساتها الأمنوية التي طالما أمعنت في ضرب القوى المجتمعية المستقلة وإضعافها وتحييدها إزاء قضايا المجتمع وأسئلته.
على هذا الأساس تحديدا يصير من غير الممكن أن تظل العلوم الاجتماعية في المنظومة التربوية والبحثية لتونس المقبلة على الهامش وفي موضع التبخيس. ذلك أن الديمقراطية بما هي مسار، وصيرورة، وجدل منفتح تحتاج فيما تحتاج إليه تدعيم الأسس المعرفية والفكرية والتربوية والبيداغوجية. فما أحوجنا في هذا الصدد لمعاهد ومراكز بحوث علمية مستقلة في مجال العلوم الاجتماعية، تمكن من الفهم العلمي للتحولات، والتغيرات الاجتماعية، وتساهم في عقلنة القرار السياسي من أجل تنمية حقيقية غير متسرعة أو مرتجلة. كما تبرز في هذا الصدد ضرورة تدريس علم الاجتماع في مستوى المعاهد الثانوية كمادة مستقلة إلى جانب مادة الفلسفة.فالتلميذ الذي يدرس مادة العلوم الطبيعية والفيزيائية قصد تكوين رؤية علمية عن محيطه الطبيعي هو في حاجة كذلك إلى تكوين رؤية علمية عن محيطه وعالمه الاجتماعي والثقافي وهوما من شأنه أن يدعم فكرة النسبية لديه بدل فكرة الإطلاقية ويمنحه الأدوات المعرفية لقبول التواصل الديمقراطي مع بقية الفاعلين الذين لا يشاركونه نفس الطموحات والتوجهات ويمكنه من الاعتراف بالاختلافات الموجودة في الفضاء العمومي أوليست الديمقراطية مثلما يعرفها شارل تايلور هي سياسة للاعتراف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.