الحماية المدنية تتدخل في أكثر من 40 عملية لإنقاذ المواطنين بعد الأمطار الغزيرة    رئيس منظمة إرشاد المستهلك: تجاوزات كبيرة في أسعار خدمات الإنترنت    عاجل: تعليق الدروس في القصرين بسبب التقلّبات الجوّية    تحب قطعة أرض باش تبني دارك؟ هاني نقلك كيفاش تاخو قرض من ال CNSS!    وزير الاقتصاد والتخطيط يبحث سبل تعزيز التعاون مع عدد من مسؤولي مؤسسات التمويل الدولية    قبلي: انطلاق دورات تكوينية في الابتكار في النسيج والصباغة الطبيعية لفائدة حرفيات الشركة الاهلية "رائدات"    جندوبة: المطالبة بصيانة شبكة مياه الري لتامين حاجيات القطيع والاعداد للموسم الجديد    ماكرون يوحل في الcirculation في نيويورك و يكلم ترامب.. شنوا الحكاية ؟    بطولة العالم للكرة الطائرة أكابر: الدور ثمن النهائي - المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره التشيكي صفر-3    كميّات الأمطار المسجّلة خلال 24 ساعة بعدد من مناطق البلاد    اللاعب التونسي مراد الهذلي يجدد التجربة مع أهلي طرابلس الليبي    تحذير عاجل: صواعق ورياح قوية تضرب المناطق هذه    حصيلة صادمة: أكثر من 156 مليون دينار بضائع مهربة محجوزة في 8 شهور!    يا توانسة.. هلّ هلال ربيع الثاني 1447، شوفوا معانا دعاء الخير والبركة الى تدعيوا بيه    مواطن يقوم بقيادة حافلة..وشركة النقل بين المدن توضّح وتكشف.. #خبر_عاجل    عاجل/ لجنة كسر الحصار عن غزّة تدعو إلى رفض محاولات الكيان الصهيوني تجريم مهمة "أسطول الصمود"    النفطي بمناسبة ذكرى مؤتمر بيجين حول المرأة : تونس تولي اهتماما خاصّا بريادة الأعمال النّسائية    إصدار طابع بريدي إحياء للذكرى 80 لتأسيس منظمة الأمم المتّحدة    الرابطة الأولى: كريم دلهوم مدربا جديدا لإتحاد بن قردان    وزير الشباب والرياضة يكرّم الرياضيين المتالقين في بطولة العالم لألعاب القوى    بطولة العالم للفروسية: تونس تحرز المرتبة السادسة في مسابقة الفرق    الكرة الذهبية : لاعب باريس سان جيرمان عثمان ديمبلي يتوج بجائزة افضل لاعب في العالم    البطولة الفرنسية : فوز مرسيليا على باريس سان جيرمان بهدف دون رد    الأطلسي والهادي يحترقان: أعاصير قوية في كل مكان...شنيا الحكاية؟!    عاجل : وفاة مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ    جريمة مروعة: يقتل ابنتيه طعنا بالسكين ثم ينتحر..!!    مركز الاعمال بصفاقس ينظم الاربعاء 08 أكتوبر المقبل يوما مفتوحا لتمويل المشاريع عبر مؤسسات التمويل الصغير    الشيبس كل يوم.. تعرف شنوّة اللي يصير لبدنك    مناظرة هامة بوزارة التجهيز.. #خبر_عاجل    عاجل/ انفجار قرب سفينة قبالة اليمن..    محرز الغنوشي يُحذّر من تواصل الأمطار هذه الليلة    وزارة الصحة تطلق أول عيادة رقمية في طب الأعصاب بالمستشفى المحلي بالشبيكة بولاية القيروان    عاجل/ يهم المخدرات والاحتكار: رئيس الجمهورية يسدي هذه التعليمات لوزير الداخلية وكاتب الدولة للأمن وآمر الحرس..    العودة المدرسية والجامعية، ومكافحة الفساد، ابرز محاور لقاء رئيس الجمهورية برئيسة الحكومة    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الدفاع الوطني    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أهم كميات الأمطار ال 24 ساعة الفارطة    رئاسة مؤتمر حل الدولتين: إنهاء الحرب في غزة أولوية قصوى    مسيّرات مجهولة تغلق مطارين في الدانمارك والنرويج    قيس سعيد: كلّ المؤسّسات المُنتخبة منبعها الشّعب التونسي صاحب السيادة    نجاة من كارثة محققة في مطار نيس: طائرتان تفلتان من اصطدام مروع    حجز حوالي 4523 كغ من المواد الغذائية الفاسدة وغير الصالحة للاستهلاك    زاده الشيب جمالاً... تيم حسن يلفت الأنظار بوسامته    ميناء رادس: إحباط محاولة تهريب أكثر من 10 ملايين قرص مخدّر    المدرسة الابتدائية الشابية بتوزر .. «نقص فادح في العملة»    الإعلامي محمد الكيلاني في أمسية أدبيّة بسوسة...غادرت التلفزة واتجهت إلى الكتابة لغياب التحفيز والإنتاج    زياد غرسة يضيء سهرة افتتاح مهرجان المالوف الدولي بقسنطينة    إنتبه لها.. 10 علامات مُبكّرة للزهايمر    مشاركة تونسية مكثفة في مهرجان بوسان الدولي للفن البيئي    دور الثقافة والفضاءات الثقافية تفتح أبوابها لاستقبال الراغبين في المشاركة في مختلف أنشطتها    تونس على موعد مع حدث فلكي غريب بدخول الخريف... الشمس تعانق خط الاستواء..شنيا الحكاية؟!    المفتي هشام بن محمود يعلن الرزنامة الدينية للشهر الجديد    تحذير طبي جديد يخص حبوب شائعة الاستعمال بين النساء...شنيا؟    علامات خفية لأمراض الكلى...رد بالك منها و ثبت فيها ؟    انطلاق حملات نظافة كبرى في دور الثقافة والمكتبات العمومية والجهوية    السينما التونسية تتألّق في مهرجان بغداد السينمائي... التتويج    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    استراحة «الويكاند»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور العلوم الاجتماعية في ترسيخ الذهنية الديمقراطية
نشر في الصباح يوم 23 - 03 - 2011

بقلم : فؤاد غربالي لعل من ميزات '' السياسات التربوية'' في عهد بن علي أنها عملت على تهميش العلوم الإجتماعية،والتخصصات لأدبية،والتبخيس من شأنها في أذهان الناشئة عبر عدة طرق وآليات لعل من أبرزها القول بصعوبة إدماج طلاب العلوم الإجتماعية في سوق الشغل مما جعل الأولياء يعملون جاهدين إلى توجيه أبنائهم نحو التخصصات العلمية والدفع بهم عبر الدروس الخصوصية مشطة الأثمان نحو اللحاق بتلك التخصصات ظنا منهم أنها الأقدر على ضمان الشغل بعد التخرج.
الأمر الذي حول المدرسة إلى ما يشبه السوق المفتوحة على ثنائية العرض والطلب التي جعلت منها مجرد جهاز للفرز والإقصاء يعيد إنتاج التفاوتات الإجتماعية، ويكرسها،حيث صار الإلتحاق بالتخصصات العلمية الأكثر تشغيلية، حكرا على أبناء الفئات المترفهة، والقادرة على دفع أثمان الدروس الخصوصية مشطة الأثمان التي عادة ما تشمل المواد العلمية واللغات التي تمكن من الإلتحاق بالتخصصات الجامعية الأكثر قبولا في سوق الشعب بالمقابل يجد أبناء الفئات الفقيرة والمهمشة، الذين يعيشون في الأرياف وأحياء السكن الضحوي العفوي الموجودة على هامش المدن الكبرى، وجزء من أبناء الطبقات المتوسطة المفقرة بفعل الخيارات الإقتصادية الخاطئة، أنفسهم مجبرين بفعل عدم قدرتهم على مجاراة نسق السوق التعليمية على الذهاب القسري إلى العلوم الإجتماعية بلارغبة معرفية وبلا رساميل لغوية، تمكنهم من التميز وتحقيق الإضافة. وهذا أمر تعمل فلسفة التوجيه المدرسي والجامعي السائدة منذ سنوات على تكريسه، فهي لا تأخذ بعين الإعتبار رغبات الطالب أو التلميذ في عملية التوجية بالتوازي مع إمكانياته المعرفية والعلمية. بل على العكس ممن ذلك فقد أسست لثقافة ''الميز العنصري'' بين مجال التخصصات العلمية ومجال الإنسانيات والعلوم الإجتماعية، التي تعتبرلدى القائمين على عملية التوجية المدرسي والجامعي، بمثابة ''القمامة'' التي يرمى فيها جميع المخفقين والفاشلين وكل ضحايا النظام التربوي من أبناء الفئات المهمشة.
إن عملية تهميش الإنسانيات والعلوم الإجتماعية والتبخيس لدى الناشئة إرتبطت بعدة أسباب لعل أولها أن التعليم في عهد بن على لم يكن رهانا سياسيا ضمن مشروع مجتمعي يهدف إلى خلق الفرد المواطن بل كان مجرد أداة لتمرير أفكار، وتوجهات المؤسسات الدولية،ووسيلة للدعاية لأفكار الحزب الحاكم التسطيحية،التي تستهدف تجهيل الناشئة وابعادها عن الإهتمام بالشأن العمومي. لهذا تساوق إستبعاد العلوم الإجتماعية وتهميشها مع ذلك التوجه، فالعلوم الإجتماعية هي مضادة للديكتاتورية، والظلم،وتحمل في مضامينها قيم العدالة، والحرية، والعقلانية، ومن الممكن أن تساعد على تشكيل وعي نقدي وخلق فرد يصعب التلاعب به،قادر على المحاورة،والنقاش وبلورة موقف خاص حر ومستقل. وقد كان لهذا الإستبعاد الممنهج للعلوم الإجتماعية الأثر السئ على جزء من الفئات الطلابية والتلاميذية التي صارت تفتقد لآليات التحليل المنطقي والعلمي لما يحيط بها من هذا المنطلق بالذات نجد أنفسنا في مرحلة مابعد 14 جانفي مجبرين على إعادة الإعتبار للعلوم الإجتماعية،على مستوى البحث والتدريس، في إطار تصور جديد لمعنى المدرسة، يحاول أن يربط بينها وبين فكرة المواطنة،ويؤصل العملية التعليمية ضمن مشروع مجتمعي ونوذج ثقافي شامل بعيدا عن السياسات المرتجلة والمسقطة التي تراهن على الجانب الكمي عن طريق الإستهانة بالجانب الكيفي وكذلك على جعل التعليم أداة لخلق ذوات مستهلكة ليست لها القدرة على إنتاج المعنى والإنخراط بشكل فاعل في الشأن العمومي
من هذه الزاوية تحديدا تتخذ العلوم الإجتماعية بكل تفرعاتها أهميتها الكبرى في مرحلة بناء وتأسيس مجتمع ديمقراطي وفضاء عمومي يتناقش فيه الأفراد بكل حرية وبالقدر نفسه من المساواة.حيث تساعد هذه العلوم، وعلى رأسها علم الإجتماع تحديدا،الفاعلين الاجتماعيين على بلورة وعي مدني، وفهم عقلاني، يتأسس على المعرفة العلمية لما يدور حولهم. فعلم الاجتماع كما يقول المفكر المعروف ألان تورين ''يساهم في أن يتصرف أعضاء المجتمع كفاعلين بقدر الإمكان...وأن يتخلص المجتمع نفسه من نظامه وإيديولوجياته وبلاغته عن طريق إبداع نظم للفعل بواسطتها تصوغ المنظومة الاجتماعية نفسها باستمرار...فهدف علم الاجتماع هو تنشيط المجتمع'' فدور علم الإجتماع والعلوم الاجتماعية بشكل عام من هذا المنظور هودور تنويري يجعله في نضال دائم ومستمر ضد كل أشكال الدوغمائية، والخطابات التبريرية، لماهو قائم وموجود، بل إنه يساعد حتما على إمكانية تشكل الفرد كذات قادرة على معارضة منطق السيطرة الإجتماعية بإسم منطق الحرية والإنتاج الحر للذات الذي يؤدي إلى تأكيد حقوقها في عالم تحول فيه الإنسان إلى موضوع إذن نحن في حاجة لمقاربة جديدة في مجالي التربية والتعليم تستدمج فكرة الديمقراطية وتراهن على ترسيخها في أذهان المتعلمين، عبر المضامين العلمية للمعرفة الفلسفية والسوسيولوجية، والموسيقية والمسرحية التي تحمل بين طياتها إيتيقا أو أخلاقيات التواصل، والعيش المشترك، رغم الاختلافات والتباينات،وهو ما من شأنه أن يدعم فكرة التنوع داخل الفضاء العمومي ويفصح عن الديناميكية الحقيقية للمجتمع التونسي الذي بدأ يسترد القدرة على إنتاج تاريخه الخاص بعيدا عن وصاية الدولة-الحزب وسياساتها الأمنوية التي طالما أمعنت في ضرب القوى المجتمعية المستقلة وإضعافها وتحييدها إزاء قضايا المجتمع وأسئلته.
على هذا الأساس تحديدا يصير من غير الممكن أن تظل العلوم الاجتماعية في المنظومة التربوية والبحثية لتونس المقبلة على الهامش وفي موضع التبخيس. ذلك أن الديمقراطية بما هي مسار، وصيرورة، وجدل منفتح تحتاج فيما تحتاج إليه تدعيم الأسس المعرفية والفكرية والتربوية والبيداغوجية. فما أحوجنا في هذا الصدد لمعاهد ومراكز بحوث علمية مستقلة في مجال العلوم الاجتماعية، تمكن من الفهم العلمي للتحولات، والتغيرات الاجتماعية، وتساهم في عقلنة القرار السياسي من أجل تنمية حقيقية غير متسرعة أو مرتجلة. كما تبرز في هذا الصدد ضرورة تدريس علم الاجتماع في مستوى المعاهد الثانوية كمادة مستقلة إلى جانب مادة الفلسفة.فالتلميذ الذي يدرس مادة العلوم الطبيعية والفيزيائية قصد تكوين رؤية علمية عن محيطه الطبيعي هو في حاجة كذلك إلى تكوين رؤية علمية عن محيطه وعالمه الاجتماعي والثقافي وهوما من شأنه أن يدعم فكرة النسبية لديه بدل فكرة الإطلاقية ويمنحه الأدوات المعرفية لقبول التواصل الديمقراطي مع بقية الفاعلين الذين لا يشاركونه نفس الطموحات والتوجهات ويمكنه من الاعتراف بالاختلافات الموجودة في الفضاء العمومي أوليست الديمقراطية مثلما يعرفها شارل تايلور هي سياسة للاعتراف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.