شهدت الساحة الثقافية صباح أمس السبت وبمناسبة اليوم العالمي للمسرح ولادة مركز الفنون الدرامية والركحية بمدنين الذي استقبل عددا من الأساتذة والمفكرين والممارسين للمسرح لحضور تدشين المركز والشهادة على ما يعد به القائمون على هذا المركز الجهة ومبدعيها في قادم الأيام والسنوات. وقد انتظمت بالمناسبة بالمركز الذي يديره السيد أنور الشعافي مداخلات أربع، أثثت اثنتين منها الفترة الصباحية وهما لرضا بوقديدة بعنوان « قاطرة الثورات» فيما قدم نوفل عزارة مداخلة بعنوان «نريد أو لا نريد ذلك هو السؤال»، وقد حمل الشعار العام للتظاهرة عنوان «والآن أي مسرح نريد؟». وقد تواصلت الندوات مساء مع كل من الأستاذين محمد مومن وحسن المؤذن لطرح اشكاليات لها اتصال وطيد بقضايا مسرح ما قبل وما بعد ثورة 14 جانفي. وقد بدا الاختلاف واضحا في وجهات النظر حول الطريقة المثلى لتقييم مسرح ماقبل الثورة واستشراف الملامح العامة لمسرح ما بعد التاريخ. وفي حين نادى البعض بضرورة اعادة ترتيب البيت المسرحي بالقطع مع مرحلة «مظلمة» من تاريخ المسرح في فترة استبداد السلطة، رأى شق آخر أن العملية الابداعية لم تكن على قدر كبير من التهميش في الفترة الماضية وعديد التجارب تبرهن نجاح المسرحيين في افتكاك الكلمة والتعبير عن آلام وانتظارات الشعب. ثم اننا نتساءل في الفترة الراهنة «هل يحق لنا الاقرار بوجود شعب بأكمله مقبل على المسرح.» وهل كان للمسرح قبل ثورة 14 جانفي جمهور يؤمن بمضمونه ويدافع عنه بالصورة الكبيرة والمرتقبة، أم أن المسرح عانى أساسا من غياب المقبلين على عروضه واجتهادات رجالاته مع حفظ بعض الاستثناءات. وتطرق المتدخلون في النقاش الى مسألة الرقابة، فقد كان المسرح يتلقى املاءاته-حسب تعبير البعض- من السلطة قبل موعد الثورة وأصبح اليوم يتلقى املاءات أخرى من «الشعب»، ويحيلنا هذا الاقرار على أن الممارسة الفنية لن تتحرر يوما من الاملاءات والرقابة وهو ما يعيق العملية الفنية الحرة التي يجب ألا تتقيد أساسا باملاءات مفروضة. وتحدث نوفل عزارة عن مسرح يريده الشعب، فيما استهدفت مداخلة الأستاذ رضا بوقديدة أساسا تاريخ الفعل المسرحي في علاقته بالواقع وبانتظارات الفرد وبالعملية الفكرية والاختيارات الجمالية التي لا يجب أن تطغى في كل الحالات عن المضمون الفكري للأعمال والمشاريع. وقد تفاعل الحضور مع فكرة التواصل مع ماضي الممارسات الفنية قبل ثورة الشباب لما كانت تحتويه من اجتهادات فعلت حرية القول والفعل وان كانت مع ما سماه متدخل ل»الكود» أو الرمز الذي كانت من خلاله تمرر الرسائل الناقدة والمعبرة عن رفض المثقف للتهميش الاجتماعي للمواطن وللعملية الابداعية الصادقة في حد ذاتها.
هل هي حياة مسرحية جديدة؟
وقد طرحت المداخلات سؤالا حول ماهية الأعمال المسرحية القادمة بعد ثورة 14 جانفي: «هل ستعبر أكثر عن الواقع وتلتصق بالشعب ومعاناة المواطن؟ هل ستتخلص من الرقابة الذاتية أو رقابة الادارة عليها ؟ والى أي مدى ستكون فعلا في حجم ما تحقق من انجاز لصالح حرية القول والتعبير في بلد كانت الكلمة فيه ملثمة أو مقنعة أو متخلية عن مسؤولية الكشف والبحث عن مواطن الداء في الممارسة السياسية أو في الواقع الاجتماعي بمختلف اخلالاته. رأى البعض أن انجاز أعمال فنية تصف الثورة ومنجزاتها في الوقت الراهن هو أمر أو لنقل فعل سابق لأوانه، فأسرار كثيرة بقيت عالقة وتعلقت بالفترة الفاصلة بين 17ديسمبر (تاريخ احراق محمد البوعزيزي لنفسه) وتاريخ 14 جانفي اليوم الذي فرّ فيه زين العابدين بن علي من تونس، وكل الأعمال التي ستنجز في هذه الفترة عن «الثورة» هي سابقة لأوانها ولا تعبر عن الحقيقة كاملة. الى جانب بعض اليوميات التي تنقل ممثلوها الى مدنين لتغطية هذه التظاهرة كانت قناة حنبعل في الموعد من خلال فريقها الصحفي الذي صور الكواليس وتحدث الى الضيوف. كما أمن راديو المسرح بثا حيا لمختلف الفقرات التي أثثت تظاهرة «والىن أي مسرح نريد؟ يذكر أن مركز الفنون الدرامية والركحية بمدنين كان قد افتتح موقعه الالكتروني الرسمي صباح أمس.