يبدو أنّ تنقل مسؤول الى ولاية من الولايات الداخلية التي عانت الحرمان طيلة عقود -في هذه الفترة بالذات- لا يمرّ دون مفاجآت ومواقف مؤثرة قد تجعل هذا المسؤول يراجع أوراقه جيدا ويدعمها بالجديد من المعلومات أو القرارات العاجلة. هذا ما لاحظته «الصباح» التي شاركت في الوفد الذي قادته وزارة الثقافة يوم أمس الأول الى ولاية القصرين بالتعاون مع وزارة التنمية الجهوية. كان في انتظار الوزيرين السيدين عز الدين باش شاوش وعبد الرّزاق الزواري عدد هام من المواطنين الذين كانوا على أهبة الانفجار, وفعلا علا الصراخ واتحدت الأصوات كلها تنادي بالحلول العاجلة لمعضلة القصرين, وهي معضلة تطال آلاف المتحصلين على الشهائد العليا والرابضين لسنوات أمام عتبة المسؤول لطلب حقهم في الكرامة وحقهم في التشغيل. لم تمرّ جلسة العمل مع ممثلي المجتمع المدني كما خطط لها المسؤولون الجهويون بالولاية وعلى رأسهم الوالي, وانطلق اللقاء بكلمة مقتضبة لوزير الثقافة عبّر فيها عن عمق افتخاره بما تزخر به القصرين من طاقات ومن ثروات طبيعية وأثرية وتساءل الوزير لماذا لا تتحوّل القصرين الى مدينة سياحية معروفة يزورها العالم بأسره وهي التي تحتوي على آثار رومانية تمسح مختلف المناطق بالولاية؟ فباب الاستثمار السياحي أو ما عبّر عنه باش شاوش بالسياحة الثقافية في هذه الولاية-والذي بقي شبه مغلق- قابل للفتح على مصراعيه مستقبلا لو تظافرت الجهود السياسية لتحقيق ذلك. وقد تحولت قاعة اللقاء بعد 50 دقيقة من الزمن الى مايشبه المظاهرة الكبرى وانسحب وزير التنمية مضطرا بسبب تعالي صراخ الحاضرين وتولى وزير الثقافة مهمة تهدئة النفوس بالتوجه الى الحضور ومخاطبتهم عن قرب. كانت المطالب الملحة تستهدف ما سموه ب»تنظيف» البلاد من المتواطئين مع الحزب الحاكم السابق, والذي همش التنمية في القصرين وأدّى الى الوضع الكارثي الحالي, وبدا واضحا أن مبلغ 25 مليارا كقيمة اضافية من ميزانية الدولة الموجهة بشكل عاجل للتنمية لم تكن كافية لامتصاص غضب السنين وتراكمات الألم والقهر التي أفضت الى وجود نسبة كبيرة من خرّيجي الجامعة من العاطلين عن العمل بالولاية لا يمكن الجزم بإحصائيات نهائية حولها ذلك أنه لم تتقدم اي جهة بمعطيات دقيقة حول الموضوع لكن مقابل ذلك فإن الاتفاق حاصل حول النسبة الكبيرة من العاطلين عن العمل من اصحاب الشهادات العليا. المهمة ليست ..ثقافية لم تكن مهمة باش شاوش ثقافية بالأساس حيث أنه وعد بتبليغ أصوات الغاضبين وقد طالب الجميع بكتابة جذاذات فردية فيها تفصيل للوضعيّات فلم يلبث أن تراكمت على طاولته المئات منها. ولعلّه من غير المشجّع فعلا التفكير في مشاريع ثقافية عاجلة لهؤلاء الذين زارهم الوزير, وهو ما تيقن منه باش شاوش وهو يحاور بعض المواطنين, فالحاجة الى الخبز اليوم - حسب تعبيرهم - أكثر الحاحا, والذي يتعاقد مع الجوع لسنوات مفكرا في طريقة لتحصيل قوت اللحظة, يبقى غير قادر على المزاحمة لاقتناء تذكرة عرض مسرحي أو فيلم من الافلام الصادرة حديثا. ولهذا السبب وغيره تأجل الحديث عن الثقافة وتوجّه الوزير الى خيمة المعتصمين من حاملي الشهائد العليا وانخرط معهم في حوار انساني الى حد النخاع, كذلك كنا نحن الصحفيون المرافقون لوزير الثقافة مضطرّين الى الغاء مشروع الحديث في الثقافة والسياسة الثقافية الأنسب, كيف لا وكل ما في المحيط ينبىء بالانفجار في كل لحظة..فهل تتحقق المطالب الانسانية قريبا؟