صالح عطية لا أدري لماذا تصمت نقابة الصحفيين عن «سلوكيات» وممارسات إعلامية يتكثف حضورها منذ فترة في المشهد الإعلامي، وهي تشي بمنزلقات خطيرة بذريعة حرية التعبير والإعلام... فثمة عمليات جلد وثلب ومقالات شتيمة في حق هذا وذاك، ليس من مسؤولية الإعلاميين الدخول فيها، لأن الإعلام لا ينبغي أن يكون طرفا في الصراع السياسي ولا يمكن أن يتحول إلى دائرة اتهام، أو ساحة قضائية للحكم على هذا أو ذاك.. صحيح أن من بين أدوارنا ومهامنا، النقد، لكن ذلك لا ينبغي أن يتحول إلى أداة تجريح و»تعفين» لبعض الملفات ضمن منطق التشفي والانتقام والتشويه، بداعي المحاسبة و»العدالة الانتقالية» التي يستخدمها البعض في غير محلها.. لكن الأدهى من ذلك وأمر، حصة «ميدي شو» على إذاعة موزاييك ليوم الأربعاء، التي كشفت أننا لا نميز بين الحرية والمسؤولية، وأن «أخلاقيات المهنة» التي يتشدق بها بعضنا في الكواليس والصالونات المغلقة، ما تزال خارج حساباتنا المهنية... إذ كيف يمكن تبرير ذلك السقوط الفظيع في لغة حقيرة وسخيفة ووضيعة مثل تلك التي استخدمت في ذلك البرنامج؟ وكيف يمكن إيجاد «منطق» مهني أو أخلاقي أو حتى تجاري، لتلك «القنابل السامة» التي أطلقت من فم ضيف الحلقة، وكأن اللغة العربية عاجزة عن التعبير عن تلك «الأفكار» والعواطف والمواقف بشكل يستجيب للذائقة العامة ولا ينزل بنا إلى الدرك الأسفل من الممارسة المهنية؟ ليس هذا فحسب، بل إن معلومات ومعطيات ومواقف كثيرة، انطلقت عملية صنصرتها منذ فترة هنا وهناك، واستعادت آليات الرقابة دورها القديم، من خلال «التعليمات الناعمة» التي يتقدم بها «مسؤولون» عن الإعلام في بعض الوزارات الهامة تحت غطاء «الصداقة» ومن مدخل، «المقترحات ليس إلا»، ومن باب «الدلال» على هذا أو ذاك من المسؤولين على التحرير في صحف وإذاعات وفضائيات محلية... من ناحية أخرى، ثمة أزلام النظام المخلوع، وأدواته من الإعلاميين والصحفيين، ممن بدأوا يستعيدون بعض المواقع في المؤسسات الإعلامية، فيما الصحفيون طالبوا النقابة منذ فترة بضبط قائمة في أسماء هؤلاء لقطع دابر الفساد في القطاع و»تطهيره» من ممارسات «عفنت» الإعلام على امتداد أكثر من عشرين عاما.. فلماذا لم تتحرك النقابة بهذا الاتجاه إلى الآن؟ لا شك أن لكل ثورة كلفتها، لكننا لا نريد للإعلام أن يتحمل الكلفة كلها، فنخرج من فترة الحريات هذه «م المولد بلا حمص»، كما يقول إخوتنا في المشرق.. صحيح أننا نتدرب في قلعة الحرية، ونستعيد المهنية التي سلبت منا على عهد الديكتاتور المخلوع، لكن ذلك يمكن أن يكون في إطار من الحذر الشديد، لأن القادم أصعب، ونحن ما نزال في بداية المشوار.. لذلك على نقابة الصحفيين التحرك العاجل، وعلى الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني الانتقال من موقع المتفرج إلى موقع الفاعل في هذا المشهد، عبر هبة جماعية، تضع حدا لهذه المهاترات والخزعبلات، وتمنع إعلامنا من السقوط في منزلقات يتربص بها البعض إن لم نقل يدفع باتجاهها.. فما رأي هذه الأطراف في «ميثاق أخلاقي» يحصن إعلامنا من مغبة السقوط في مستنقع مفتوح على جميع الاحتمالات... السيئة منها للأسف؟!