الحماية المدنية : إطفاء 189 حريقا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    السياحة والتحويلات تغطيان أكثر من 80% من الدين الخارجي لتونس    إيران تعلن تفكيك خلية تجسس تابعة للموساد في طهران    كأس العالم للأندية: التعادل يحسم مواجهة إنتر ميلان الإيطالي ومونتيري المكسيكي    تونس تحتضن بطولة العالم لكرة اليد الشاطئية للناشئين تحت 17 سنة بمدينة الحمامات    كرة السلة: النادي الافريقي يعزز صفوفه باللاعب الدولي اسامة المرناوي    خامنئي يعلن بداية المعركة.. ويدعو للرد بقوة على إسرائيل    الأسلحة النووية: كيف تُصنع ولماذا تُعد أخطر أسلحة العالم؟    ميتا تعبر عن قلقها من مطالبة إيران مواطنيها بالتوقف عن استخدام واتساب    مادورو يوجه نداء إلى الصين وروسيا ودول عالم الجنوب لدعم إيران وإيقاف جنون نتنياهو    تونس تتسلم دفعة تضم 111 حافلة جديدة مصنعة في الصين    نسبة امتلاء السدود حاليا    أحمد ونيس: مخاطر التدخل الأميركي في الحرب تُهدّد بتصعيد عالمي    كأس العالم للأندية 2025 : صن داونز الجنوب أفريقي يهزم أولسان هيونداي الكوري 1-صفر    العرب في قلب الحدث: أبرز مواجهات اليوم في كأس العالم للأندية ...التوقيت    3'' حاجات'' لا تخرج من المنزل بدونها فى الطقس الحار    علاش يلسعك إنت بالذات؟ 5 أسباب تخليك ''هدف مفضل'' للناموس!    أطعمة تزداد فائدتها بعد التبريد: مفاجآت صحية في ثلاجتك!    انخفاض في درجات الحرارة... وهذه المناطق مهددة بالأمطار    مدينة العلوم تقدّم أنشطة مجانية السّبت المقبل بمناسبة اليوم العالمي للشمس والانقلاب الصّيفي    صاروخ ''فتاح'' يثر الرعب ...يتخفى و يناور ...شنية حكايتوا ؟    لماذا رفضت وزارة العدل توثيق الطلاق لدى عدول الإشهاد؟    عاجل/ اضراب بيوم في "الستاغ"..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    واشنطن قد تدخل الحرب وطهران تتوعد    ايرادات السدود ارتفعت ب 200 مليون متر مكعب بالمقارنة مع العام الماضي    50 مقاتلة تشن غارات بطهران وصواريخ "فتّاح" تستهدف إسرائيل للمرة الأولى    بيب غوارديولا.. عائلتي تحب تونس    نسبة امتلاء السدود بلغت حاليا 55 بالمائة    إختيار 24 عينة فائزة في الدورة الثامنة لجائزة أحسن زيت زيتون تونسي بكر ممتاز    مع تراجع المستوى التعليمي وضعف التقييم...آن الأوان لإجبارية «السيزيام»؟    تدشين قسم طب الولدان بمستشفى شارل نيكول بمواصفات متطورة    ملتقى تونس الدولي لألعاب القوى: التونسي بشير عقوبي يفوز ببرونزية سباق 1500 متر    ضاحية مونمارتر تحتضن معرض فني مشترك بين فنانة تونسية وفنانة مالية    صفاقس: تنظيم يوم الأبواب المفتوحة بمركز التكوين والتدريب المهني بسيدي منصور للتعريف بالمركز والإختصاصات التي يوفرها    "عليسة تحتفي بالموسيقى " يومي 20 و 21 جوان بمدينة الحمامات    الدورة الأولى لتظاهرة "لقاءات توزر: الرواية والمسرح" يومي 27 و28    عاجل/ بلاغ هام حول التجارة عبر الانترنات    حياتي في الصحافة من الهواية الى الاحتراف    اصدارات جديدة لليافعين والاطفال بقلم محمود حرشاني    منوبة: فتح الجزء الثاني من الطريق الحزامية " اكس 20 " بولاية منوبة    قفصة : حلول الرحلة الثانية لحجيج الولاية بمطار قفصة قصر الدولي وعلى متنها 256 حاجا وحاجة    المائدة التونسية في رأس السنة الهجرية: أطباق البركة والخير    ماهر الكنزاري : " أشعر بالفخر بما قدموه اللاعبون"    الدورة 12 من الملتقى الوطني للأدب التجريبي يومي 21 و 22 جوان بالنفيضة    مطار طبرقة عين دراهم الدولي يستأنف نشاطه الجوي..    الطقس اليوم: حرارة مرتفعة..وأمطار مرتقبة بهذه الجهات..    موعد إعلان نتائج البكالوريا 2025 تونس: كل ما تحتاج معرفته بسهولة    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزيري الشؤون الاجتماعية والاتصال..    6 سنوات سجنا لنائب سابق من أجل الإثراء غير المشروع    عدد ساعات من النوم خطر على قلبك..دراسة تفجرها وتحذر..    كيف سيكون طقس اليوم الثلاثاء ؟    سعيّد يؤكد لدى استقباله رئيسة الحكومة: لا أحد فوق المساءلة والقانون    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القانون التونسي والتشريع الإسلامي 2
نشر في الصباح يوم 27 - 04 - 2011

* في الجزء الأول من المقال عرّف الكاتب بخصوصيات التشريع الإسلامي في القانون التونسي منتهيا عند الأسباب التاريخية للتواصل ويركز في الفقرة الثانية على الأسباب التاريخية للمحدودية فيقول:
تتمثل أساسا في الوضعية التي مر بها المجتمع التونسي لحظة التقنين الأول خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ولحظة التقنين الثانية خلال النصف الثاني من القرن العشرين باعتبارها محطات نوعية في العلاقة بين التشريع الإسلامي والقانون الوضعي .
لقد كانت تونس تعاني خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ضغوطا كبيرة من القوة الاستعمارية الفرنسية ومن بعض قوى الضغط الأوروبية الأخرى التي لها مصالح ومطامع في تونس وهو ما أدى إلى إجبار البايات على القيام بعديد الأعمال التشريعية في شكل أوامر علية تحت التأثير الأجنبي من ذلك إلغاء الرق في 1846 وإصدار عهد الأمان 1857 ثم الدستور سنة1861 والمجلة المدنية والجزائية في نفس السنة وصفة البائع في عقود البيع في 1868 والتزامات الخماس في 1874 وإبرام الرهون العقارية في 1879... وراعت هذه النصوص التشريع الإسلامي دون أن تتقيد به بصفة كاملة باعتبار أن الباعث عليها كان في جزء هام منه خدمة المصالح الأجنبية كما أنها موجهة أساسا لحماية الأجانب ولعل أهم نصين مميزين في هذا الصدد هما عهد الأمان الخاص بحماية غير المسلمين والأجانب وقانون التسجيل العقاري الصادر بتاريخ 01/07/1885 الذي يرمي إلى تسهيل استيلاء المعمرين على الأراضي التونسية خصوصا الفلاحية منها ولم تكن تونس شاذة في هذا الاتجاه إذ أن الخلافة العثمانية أيضا تأثرت في نفس الفترة بنفس الضغوط وجارت حركة التقنين متأثرة بالقوانين الوضعية إلى حد ما شكلا وأصلا أما إبان الاستقلال فقد آلت سلطة القرار إلى النخبة المسيسة التي ساهمت في الحركة الوطنية وكان بعض هذه النخبة متشبعا بالثقافة الفرنسية أساسا وطموحه متجه إلى تعصير الدولة والمجتمع بما يتوافق مع رؤيته التحديثية كما كانت علاقة هذه المجموعة المؤثرة مع الثقافة الإسلامية العالمة ضعيفة وإن أبدت في بعض الأحيان دفاعا عن بعض رموز هذه الثقافة إبان الكفاح الوطني أو أثناء توليها الحكم بعد الاستقلال لغايات سياسية دون أن تعبر عن قناعاتها الحقيقية .
الفرع الثاني : مظاهر التواصل المحدود
إن المطلع على المنظومة القانونية التونسية بمختلف فروعها مهما كان المعيار المعتمد في التقسيم قانون عام / قانون خاص أو معيار قوانين الباي / قوانين دولة الاستقلال أو معيار قانون دستوري / قوانين عادية أو معيار قوانين مدنية / قوانين جزائية فإنه سيصل إلى نتيجة واحدة مفادها أن قناة التواصل مع التشريع الاسلامي موجودة ولكنها ضيقة و لقد تجسم التواصل المحدود مع التشريع الإسلامي في لحظتين اثنتين صدرت خلالهما مجلتان قانونيتان الأولى قبل الاستقلال هي مجلة الالتزامات والعقود والثانية بعد الاستقلال هي مجلة الأحوال الشخصية .
مجلة الالتزامات والعقود
تعتبر هذه المجلة من أطول المجلات عمرا في تونس وأكثرها إتقانا من حيث محتوى القواعد القانونية المضمنة بها لهذا نالت المجلة شهرة بين رجال القانون في تونس وخارجها واختارت دولة الاستقلال الإبقاء عليها رغم أنها صدرت في العهد الملكي تحت إشراف السلط الإدارية الاستعمارية في 1906 وقد تمت إعادة صياغتها لتهذيبها بمناسبة مرور مائة عام على صدورها وذلك بمقتضى القانون عدد 87 لسنة 2005 المؤرخ في 15/08/2005. وأصل فكرة المجلة رغبة المقيم العام بتونس «ميلي « في توحيد فقه القضاء المدني من خلال توحيد القاعدة القانونية المنطبقة. لذلك أذن بتكوين مجلس خاص يعنى بتدوين القانون التونسي سنة 1896 كان من بين أعضائه قضاة فرنسيون ومقرر هو المحامي الإيطالي دافيد صانتيلانا. وقد أنهت لجنة القانون المدني أعمالها بإصدار مشروع نهائي سنة 1899 فاجأ المختصين بعدم تحيّزه للمجلة المدنية الفرنسية الصادرة سنة 1804 (مجلة نابليون) وسعيه للتوفيق بين أحكام المجلات المدنية الأوروبية من جهة والفقه الإسلامي والعادات والأعراف التونسية من جهة أخرى. لذلك عند عرض المشروع على لجنة توجيه النظر الشرعي المكونة من مشايخ زيتونيين من بينهم سالم بوحاجب، محمد بيرم، أحمد الشريف أجازته.
وخلافا لما يعتقده البعض من أن الكتاب المتعلق بالنظرية العامة مأخوذ من القوانين الغربية والكتاب الثاني المتعلق بالعقود مأخوذ من الفقه الاسلامي فإن المجلة بجزأيها مستمدة جزئيا من الفقه الاسلامي. بل يوجد تطابق كبير بين القواعد المنصوص عليها بالمجلة والقواعد الفقهية بعد إخراجها من مظانها المختلفة في المذاهب الكبرى كما ذكر نص المشروع التمهيدي صراحة بعض القواعد التي تكرس أحاديث شريفة وعديد المراجع الفقهية المالكية والحنفية. والمثال الأبرز هو جملة قواعد القانون العمومية التي تعد خلاصة بعض المبادئ الكلية للفقه الإسلامي في ميدان المعاملات ولفهم وشائج القربى بين مجلة الالتزامات والعقود والتشريع الاسلامي لا غنى للباحث عن الكلمة التمهيدية لمقرر اللجنة الأستاذ صانتيلانا المحامي فلقد أكد المذكور أنه قد «تم الأخذ من القانون المدني الإسلامي أهم مبدأين فيه وهما مبدأ المساواة الذي يؤدي إلى توحيد القاعدة إزاء الكافة ومبدأ حسن النية الذي يؤدي إلى توسيع مجال الإرادة بعيدا عن التشبث بالشكليات.. كل ذلك مع التأكيد على العرف والعادة التي يعتبرها فقهاء الإسلام اتفاقا ضمنيا من شأنه أن ينشيء القانون وينقحه لأن ما استحسنه المسلمون كان عند الله حسنا.. كما أشاد بما كان للفكرة الدينية من أثر عظيم في إكساء الفقه بطابع أخلاقي يتجاوز بالقاعدة مجرد المصلحة الخاصة إلى ماهو أوسع.
لكن هذا المدح للفقه الإسلامي لم يمنع صانتيلانا من لمس مكمن الداء الرئيسي الذي قعد بالفقه الاسلامي عن تبوء المكانة السامية وهو الميل للفوضى والعجز عن التنظيم وهو نفس السبب في ضعف الشرق في جميع الميادين.
* رئيس سابق لجمعية المحامين الشبان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.