بقلم ليليا التميمي أتاحت الثورة الفرصة للتعبير عن الرأي بكل حرية وهي هبة انعدمت لسنوات وما أن من بها علينا صناع الانتفاضة حتى انفلتت العقول والأهواء و"ترك الحبل على الغارب" كما يقول المثل وتحولت تلك النعمة في بعض الأحيان من حرية تعبير إلى اعتداءات وتشهير. عديدة هي التصريحات "المفخخة" التي أعقبت ثورة الرابع عشر من جانفي وكثيرة هي الرسائل التي مررت هنا وهناك لم ينتبه إليها الشارع الذي كانت تلهيه "مشاكل" يراها أكثر أهمية من كلام يباع ويُشترى في سوق المزايدات السياسة والمصالح الفردية... لكن قد ينصهر ذلك البرود متى تأتت التصريحات من شخصية تحظى بشعبية لدى السامعين من ذلك ما بدر أول أمس عن وزير الداخلية السابق فرحات الراجحي من كلام يبدو أن خطورته تجاوزت حدودنا وشكلت صيدا ثمينا للباحثين عن الإثارة وتهويل الأمور. وبعيدا عن الخوض في صدق ما جاء على لسان المسؤول الوزاري السابق من عدمه فلا مفر من طرح الأسئلة التالية : "لماذا اختار الراجحي هذا التوقيت بالذات لتفجير الوضع مجددا وتعقيد المعقد وتأزيم المتأزم أصلا؟ لماذا الآن؟ هل هي رسالة مقصودة لإنارة الرأي العام أم للتأثير عليه قبل أن ينخرط في لعبة الانتخابات ؟ لماذا تلقفت بعض الأوساط تلك التصريحات كما لو أنها كانت تنتظرها للمطالبة بثورة ثانية؟ في هذا الوقت العصيب الذي تعيش فيه بلادنا أوضاعا هشة على جميع الأصعدة..سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ورياضيا وحتى إنسانيا نحن في حاجة إلى تصريحات تدعو لمعالجة ما يعتري الوضع العام في البلاد من تشنج وترد بحكمة وعقلانية ولا حاجة لنا بتصريحات أيا كان مأتاها تصب النار على الزيت وتحرض على العنف والفتنة وتعيدنا إلى زمن ليس ببعيد تكررت خلاله عمليات النهب والسلب والحرق والشغب واستوطن الخوف والقهر الأفئدة... ألم يستغل البعض الفرصة أول أمس لمحاولة حرق فضاء البالماريوم التجاري؟ مشكلتنا الأساسية ليست في التصريحات وما تحويه من "قنابل" و"زوابع" فذلك أمر وإن لم نتعود عليه في تونس قبلا إلا أننا سمعناه وشاهدناه في المجتمعات الأخرى المتقدمة منها وما دونها..مشكلتنا الحقيقية في أولئك الذين يتخذون مما يقال وينشر ويعرض على الشاشات والإذاعات والتلفزات مطية لممارسة هواية زلزلة الأمن في البلاد وزعزعة الاقتصاد... فهؤلاء لا يهمهم المجتمع ولا يقدرون احتياجاته ولا يأبهون بقيمه وأمنه واستقراره..كل ما يهمهم هو تصيد كلمة أو همسة أو إشارة أو زلة من هذا أو ذاك للاعتداء على المتاجر والمعاهد والمستشفيات والإدارات والأفراد.. فإلى كل المهووسين ببريق السياسة ممن يعطوننا من طرف اللسان حلاوة متى شاؤوا و"يعمروننا" متى أرادوا، نداء عاجل أن اتقوا الله في هذا الشعب المسكين... فهذا الشعب ليس قطيع غنم توجهونه وفق اتجاه بوصلتكم..