تحقيق التنمية الجهوية وبلوغ تقسيم عادل للثروات، يعد من أبرز التحديات الموضوعة على كاهل الحكومة الانتقالية اليوم ويعتبر من أهم الأهداف التي على الحكومة المنتخبة إنجازها...تحد سترثه وستورثه للحكومات القادمة. في السياق أفاد الوزير الأول الباجي قائد السبسي في لقائه الصحفي التلفزي ليلة أول أمس أنه تم تخصيص 80 بالمائة من ميزانية التنمية التي ستصدر في قانون المالية الجديد الإضافي لفائدة المناطق الداخلية في حين رصدت النسبة الباقية للمناطق الشرقية للبلاد. وتجدر الإشارة أولا أن حديث الوزير الأول قد تناول الميزانية الإضافية فحسب والتي تبلغ 251 مليون دينار وقد أعلن عنها وزير التنمية الجهوية منذ فترة، أما ميزانية قانون المالية ل2010 التي تبلغ 1232 مليون دينار فقد أكد المكلف بالإعلام في وزارة التنمية ل" الصباح " أنها بقيت على حالها نظرا أنه تم المصادقة عليها سلفا ولا يمكن إعادة النظر فيها. وبالتالي تصبح ميزانية التنمية في مجملها 1483 مليون دينار مقسمة بنسبة 71 بالمائة للمناطق الشرقية الساحلية أي منطقة تونس الكبرى، الشمال الشرقي، الجنوب الشرقي والوسط الشرقي. وتخصص النسبة الباقية (29 بالمائة) لبقية الجهات الغربية والجنوبية والشمالية.. وفي قراءة للتقسيم الجديد لميزانية التنمية اتصلت "الصباح" بالباحث في منتدى البحوث الاقتصادية والمختص في الاقتصاد العائلي والفقر والمساواة عبد الرحمان اللاحقة وكان له التقييم التالي..
تنمية منقوصة لا عادلة...
قال المختص في الاقتصاد العائلي والفقر والمساواة أن: "جيوب الفقر موجودة في جميع ولايات الجمهورية وحتى في تلك المدن المعروفة بأنها غنية...". ورأى أن التدخل يكون أكثر نجاعة وله نتائج مجدية عندما يكون في مناطق جغرافية واضحة والمطلوب بالتالي تقسيم الحكومة لميزانية التنمية باعتماد مقياسين علميين هامين هما: مقياس العدالة الأفقية والذي يفضي الى معاملة المناطق المتشابهة التي لها نفس الظروف الحياتية بالمثل. مقياس العدالة العمودية والذي يقوم على معاملة الأفراد المختلفين في ظروفهم الحياتية بطريقة مختلفة وعادلة وذلك بإخضاعهم إلى تقسيم عادل يهدف الى التقليص من الفوارق الموجودة بينهم. ويلاحظ عبد الرحمان اللاحقة أن هذا التقسيم لا يمكن اعتماده إلا بتقديم دراسة للفقر حسب المعتمديات وليس الولايات وترتيبها وفقا للأولوية باعتماد الكثافة السكانية، ومتوسط الإنفاق داخل المعتمدية ونسبة الربط بالمرافق العمومية ونسبة البطالة العامة ونسبة بطالة حاملي الشهادات العليا. كما يشير أن التنمية عليها أن تأخذ أيضا بعين الاعتبار عدم تعطيل مسار الإنتاج في المناطق الصناعية وذات الإنتاجية العالية لأنها ستكون ضمنيا مصدر التمويل بالنسبة للمناطق الأقل حظا إلى أن تتحقق المعادلة.
جيوب الفقر..
تأكيدا لما ورد في أول المقال تبين دراسة الفقر وفقا للمعتمديات والصادرة في سنة 2004، أن العشر معتمديات الأقل فقرا في تونس تنتمي بالترتيب الى ولاية القصرين(حاسي الفريد والعيون) وسليانة( الروحية) وجندوبة (فرنانة) وبنزرت (جومين) وزغوان (الناضور) ثم مرة أخرى يعود محرار الفقر الى القصرين (جدليان والقصرين الجنوبية) ليقف في المرتبة العاشرة في القيروان (العلا) والحادي عشر في سيدي بوزيد (منزل بوزيان). وبالذهاب أبعد من العشر مراتب في ال261 معتمدية نجد أن جميع الجهات شمالا وجنوبا، غربا وشرقا...تتداول على جدول ترتيب المعتمديات الأكثر حاجة كما أن الفقر في تونس يخضع إلى توزيع يفرض التخلي على التقسيم التقليدي للبلاد بطريقة يحدد به مدى حاجة كل منطقة مقارنة بالأخرى.
توزيع الثروات...
من أجل تقديم دراسة متكاملة رأى الباحث في الفقر واللامساواة عبد الرحمان اللاحقة أنه من الضروري التشريع بإعادة تقسيم الميزانية العامة الموجهة للتنمية والتي تقدر في الأصل بما يقارب ال4000 مليون دينار، خاصة أن طريقة التقسيم التي كانت معتمدة في النظام السابق هي طريقة اعتباطية تخضع لمزاج الرئيس المخلوع وأصبح من البين أن ميزانية التنمية التي أعلن عليها وهي 1483 مليون دينار غير كافية. ويشدد في حديثه أنه من المهم تشريك النسيج الجمعياتي والإطارات الجهوية في كل منطقة في تقسيم الميزانية الموجهة لكل معتمدية فأهل المنطقة هم الأكثر معرفة بحاجياتها وأولوياتها التنموية.
اعادة تقسيم للميزانية
وفي نهاية الحديث قدم اللاحقة تقسيما لميزانية التنمية الجهوية التي تمت المصادقة عليها في 2010 والإضافية الملحقة إثر الثورة في بداية 2011 أي مجموع251 مليون دينار و1232 مليون دينار، واعتمد في ذلك الدراسة العلمية لسنة 2004 التي تقدم ترتيبا واضحا لنسبة الفقر في كل معتمديات الجمهورية من أكثرها فقرا الى الأكثر حظا في التنمية معتمدا في ذلك على مقياسي العدالة الأفقية والعدالة العمودية. وتجدر الاشارة إلى أن الترتيب تنقصه كل من معتمدية قرقنة وزاوية سوسة نظرا لعدم توفر المعطيات حولهما كما تم دمج كل من معتمدية دوز الشمالية والجنوبية معا نظرا لمحدودية الكثافة السكانية بهما.