بسكينة المفكر الثاقب واندفاعية الثائر الباسل ورسالية الصحفي الهادف وإلمام الحقوقي المدافع عن قضية عادلة تحدثت إلى الصباح الإعلامية والشاعرة الدكتورة في العلاقات الدولية سعاد اللطيف الفيتوري، بريطانية من أصل ليبي هي رئيسة الجمعية الحقوقية الدولية «التواصل» اللندنية «society outreach» عن مهمتها الإنسانية في تونس، كاشفة عن أخطر الانتهاكات التي مارسها الكتائبيون في نظام العقيد، وراصدة آفاق الثورة الليبية في ظل المتغيرات الميدانية والتدخلات الأجنبية في القضية الليبية وثورة شعبها. فكانت لنا المصافحة التالية: في أي سياق تندرج زيارتكم إلى تونس ؟
قدمت إلى تونس بصفتي رئيسة جمعية التواصل اللندنية ذات الاهتمامات الحقوقية وذلك في إطار إعداد تقرير حول الوضع الإنساني للاجئين الليبيين إلى الشقيقة تونس سواء في المخيمات أو في مختلف المؤسسات الاستشفائية العمومية والمصحات الخاصة التي تحتضن الضحايا والجرحى الليبيين ، ونعمل خاصة على رصد حالات الاعتداء على الأطفال ممن هم في سن تقل عن 13 سنة من أجل نقل الحالات الحرجة والخطيرة منها بقصد علاجها والتدواي الاستعجالي لدى المؤسسات الصحية الغربية، وقد قمنا بنقل طفلين حالتهما تبعث على القلق إلى المستشفيات الألمانية ، كما أمكن لنا نقل حالة خطيرة على جناح السرعة إلى هولندا بالنظر إلى الإصابات الفادحة التي لحقت لأحد الثوار في سن التاسعة والثلاثين. وعموما نسعى إلى تحديد انتهاكات نظام العقيد الليبي وأضرارها مع الكشف عن الجرائم المسكوت عنها كالاغتصاب وغيرها بقصد عرضها على أنظار المجتمع الدولي من أجل ملاحقة المسؤولين عنها.
إلى ماذا أفضت مهامكم وتحرياتكم في مختلف المدن التونسية في خصوص حالات اللاجئين الليبيين إلى تونس؟
تركزت مهامنا الاستقصائية خلال هذا الأسبوع في البلاد التونسية على أربع ولايات هي العاصمة تونس وسوسة وصفاقس وتطاوين وربما نزور مدنين أيضا ، في إطار مهام كشف الحقائق ، على أننا اكتشفنا وكما هي توقعاتنا وحسب تسريباتنا من الداخل الليبي عديد الحالات من الانتهاكات الفاضحة والاستعمال اللامتكافئ للقوة واستعمال القوة غير المبرر ضد المدنيين وعمليات الحصار والتجويع والاغتصاب وغيرها من ضروب الممارسات المهينة والمعاملات المشينة والتعدي على الكرامة البشرية والإبادة الجماعية.
وهل لديكم أرقام وإحصائيات وتفاصيل دقيقة حول تلكم الجرائم؟
لقد سجلنا حوالي 500 حالة اغتصاب للنساء والفتيات جرت جميعها على نحو مدبر وبأسلوب ممنهج وطرق منظمة تطبيقا لتعليمات القذافي نفسه إلى ترويع الأهالي في مختلف المدن الليبية التي يهاجمونها او يجتاحونها ومعاملة سكانها بوحشية وترهيبهم قصد تعجيل سقوطها واستسلامها السريع تحت وطأة تلك الممارسات الخسيسة والمهينة. ورغم ذلك نجد صعوبات كبيرة في الكشف عن كافة عمليات الاغتصاب والتعدي على الحرمات بفعل الحواجز النفسية والعادات التي تولي الشرف العرض والعفة مكانة كبيرة، ومن ثمة فإن التستر عن تلك الجرائم والصمت يأخذ وجهين ، وجه تروج له الدعاية الإعلامية للطاغية القذافي بنفي التورط في مثل تلكم الجرائم الفاضحة ، أما الوجه الآخر فللأسف تلتزم به المرأة والفتاة الليبية وأسرتها خوفا مما يعتبر فضيحة..وهذا فهم مغلوط للوقائع ، فنحن نجزم بعفاف المرأة الليبية ونقائها الأخلاقي، على أن تعرضها لتلك الجرائم الدنيئة يدخل في ملحمتها من أجل الدفاع على حقوقها ونضالها من أجل وطنها وتحررها والتخلص من ديكتاتورية القذافي ونظامه الفاسد. ونحن نعلم أن الجرأة غير المسبوقة للمناضلة إيمان العبيدي كانت فقط بفضل اطمئنانها للحضور المكثف لوسائل الإعلام الأجنبية لتصدع بما تعرضت له ، ولو كان الأمر غير ذلك لأجهز عليها إرهابيو القذافي ومرتزقته كما فعلوا في حالات مشابهة. وهذا الواقع كاف لجعل مهمتنا صعبة، لذلك أحرص بصفة شخصية على التحدث إلى النسوة والشابات من أجل الكشف بجرأة أخلاقية عن فظائع وفضائح النظام الليبي قبل وبعد الثورة. إن هبة الإخوة التونسيين لنجدة أشقائهم الليبيين لم تكن سوى ردة فعل تلقائية وإنسانية من هول وفظاعة ما ارتكبته الآلة العسكرية الباطشة لنظام القذافي وزبانيته وما تناقلته الفضائيات من صور الضحايا والقمع الحاقد المسلط على الشعب الليبي في بدايات الثورة الليبية وخاصة في مدينة بنغازي الصامدة، كما أن تفضل الإخوة التونسيين بإيواء المصابين وإجلائهم سواء بمساعدة الهلال الأحمر التونسي بفروعه وخاصة فرعه بصفاقس أو بمساعدة المنظمات الإنسانية الأخرى مثل منظمة أطباء بدون حدود تؤكد حالات العدوان المسلح الأعمى. ولعل الأمر نفسه تكشفه عمليات الفرار الجماعي وتوافد اللاجئين الليبيين من ليبيا إلى تونس هربا من همجية الآلة العسكرية للكتائبيين الذين يستخدمون أعتى الأسلحة وآخر منتجاتها بتقدير أن القذافي كان مستعدا لمثل هذه المجازر وأعد لها العدة من المرتزقة والعتاد العسكري الفتاك ، فقواته لا تتوانى عن استعمال الصواريخ ضد المناطق الآهلة بالسكان، بل إنه يستخدم الصواريخ المضادة للطائرات والمضادة للدروع ضد الأفراد، وهذا جنون ليس أفتك منه سوى استعمال القنابل العنقودية المحضورة دوليا.
كخبيرة في العلاقات الدولية ماهي توقعاتكم بالنسبة للواقع الميداني العسكري والسياسي؟
ميدانيا حتى وإن كانت الحرب سجالا فإن استبسال الثوار رغم نقص العتاد العسكري وصمود المدن الليبية أمام الهجمات البربرية للطاغية وكتائبه تفل من عزائمهم ولنستحضر مثال مصراته العصية ، والتي تقف كالشوكة في حلقهم مانعة خطتهم لعزل المنطقة النفطية الغربية عن شرق ليبيا، لذلك نتوقع أن يسقط نظام القذافي في غضون الأسابيع المرتقبة، ولعل سيطرة الثوار على معبر الذهيبة- وازن الاستراتيجي تأكيد لما أقول، فقد أمن هذا الفتح العسكري معبرا آمنا لتدفق اللاجئين من العائلات الليبية وكذلك تدفق المساعدات الإنسانية وتيسير الجهود الإغاثية لمختلف المنظمات الإنسانية الأممية والدولية المستقلة، ولقد تمكنت شخصيا من الدخول إلى مدينة وازن واستطلاع الوضع الإنساني الحرج للمدنيين فضلا عن تلقينا شهادات عن الأسلحة العاتية التي استخدمها الكتائبيون ضد الأهداف المدنية والعسكرية دون تمييز وهو ما يؤكده الهجوم غير المبرر على المساكن والمساجد والمستشفيات...