الدوحة الصباح من آسيا العتروس هل كان من الضروري أن يتدخل الحلف الاطلسي لحماية المدنيين وتحقيق الاهداف المطلوبة في ليبيا نيابة عن العرب أم أنه كان يتعين على الثوار الليبيين التعويل على الجامعة العربية لمساعدتهم في تحقيق التغيير المطلوب ووضع حد لنظام العقيد القائم منذ أكثر من أربعة عقود لم يعرف الليبيون خلالها حاكما غيره؟ في لقاء عاصف لم يخلو من التضارب في الاراء والمواقف بين مؤيد ومعارض جمع في العاصمة القطرية الدوحة بين أربعة من الخبراء المختصين في الشأن العربي كان واضحا أن الجدل سيظل قائما وأن لكل طرف أسبابه ومبرراته في تحديد الموقف الذي ذهب اليه من التدخل الاجنبي في ليبيا البلد العربي الذي يعيش مخاضا عسيرا بعد أن تحولت ثورته الشعبية الى حرب أهلية مفتوحة بين الثوار وبين كتائب القذافي ومرتزقته. وقد سلط اللقاء الاضواء على أحد الملفات المصيرية بالنسبة للشعوب العربية انطلاقا من المشهد الليبي والصراع المستمر من أجل الخلاص واستعادة الحرية والكرامة والحق في تقرير المصير. وقد اجتمع كل من محمد علي عبدالله نائب الامين العام للجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا واللبناني بول سالم مدير المركز اللبناني للدراسات السياسية على أنه كان يتعين على العرب أن يكون لهم حضورهم في ليبيا وألا يتركوا المجال مفتوحا للغرب ليقوم بما يفترض عليهم القيام به، وذهب عبدالله الى أنه ورغم عدم وجود سيناريو مثالي في معالجة الوضع الليبي فإن فرصة معالجة الازمة على مستوى اقليمي فاتت العرب، ولاحظ أن فرصة التدخل لا تزال ممكنة. ودعا المعارض الليبي المقيم في لندن الى تدخل مصر وتونس الدولتين المجاورتين لتصحيح الوضع خاصة بعد الاحداث والتغييرات المتسارعة التي شهدها البلدان في ظل ما وصفه بانطلاق ربيع العالم العربي، وقال انه على العرب وليس على الاطلسي مساعدة ليبيا وتجنيب المدنيين المزيد من الخسائر معتبرا أن المنطقة تشهد وضعا جديدا أصبح فيه بامكان الشعوب أن تصنع مصيرها. بدوره استعرض الخبير اللبناني بول سالم تدخل ثلاث دول عربية في ليبيا وهي الامارات وقطر والاردن، وأشار الى أنه كان يفترض أن تحرص الدول العربية مع تركيا على المبادرة في حماية الليبيين من قمع قوات العقيد الليبي ومرتزقته، وخلص الى أن كل المؤشرات تؤكد أن الخروج من الازمة الليبية سيتطلب وقتا طويلا قبل تجاوزها. على النقيض من ذلك، شدد المتدخل فاضل الامين رئيس المجلس الأمريكي- الليبي وهو كاتب وصحفي أمريكي من أصل ليبي مقيم بواشنطن، على أن المهمة الانسانية والعسكرية المطلوبة في ليبيا فوق طاقة العرب، وقال ان الجامعة العربية مجرد مجموعة من الدول تعتمد على حماية السياسات الخارجية للانظمة العربية التي لا حول ولا قوة لها لفرض أي تدخل أو التوصل الى أي حلول. وخلص رئيس المجلس الامريكي الليبي الى أن أي تدخل عربي كان يمكن أن يؤدي الى مزيد الخسائر في صفوف المدنيين الليبيين. وقال الفاضل أن التجارب المتكررة من كمبوديا الى رواندا وكوسوفو، تفرض على المجتمع الدولي أن يقول "يكفي" وأن يوفر الحماية للشعوب المستضعفة. أما الدكتور عمرعاشور مدير مركز دراسات الشرق الاوسط في جامعة اكستر البريطانية، وهو أيضا ليبي مقيم في لندن، فقد اعتبر أن الدول العربية ذاتها معادية للديموقراطية وحقوق الانسان لافتا الى أنها لم تبد اهتماما يذكر بعد تفجر الاوضاع في مناطق مختلفة في المنطقة. وقال عمر عاشور "ان الليبيين يدفعون ثمنا غاليا من أجل حريتهم فلا تخيبوا آمالهم بالقول انتظروا وصول بيروقراطيتنا غير المؤهلة لانقاذكم". وتساءل عمر عاشور: كيف يمكن للقادة العرب الذين يحرمون شعوبهم من أبسط الحقوق الأساسية أن يقدموا المواعظ للآخرين... وخلص الى انها الديموقراطية وحدها التي يمكن ان توحد العرب يوما. وقد اعتبر تيم سيباستيان الصحفي البريطاني الذي يتولى تنظيم مناظرات الدوحة التي تبثها "البي بي سي" والتي تستمد فكرتها من برنامج يعود الى قرون خلت لاتحاد أوكسفورد يقوم على الآراء والحجج المضادة، الى أنه اذا كان لا أحد يشك في أن للجامعة العربية سجلا قاتما فيما يتصل بتسوية الازمات في الدول العربية، فإن ذلك لا يلغي تنامي الشعور بأن التدخل الغربي مدفوع بأطماع كثيرة ومصالح أمنية ونفطية أكثر من أي اعتبارات انسانية... وهي حقيقة تبقى قائمة طالما لم يثبت عكسها والارجح أن لعبة المصالح لا يمكن أن تغيب عن أي موقف كان حتى بالنسبة للذين يشددون على أن خلاص ليبيا مرتبط بدور أكثر نجاعة للحلف الاطلسي للحد من تفاقم الخسائر أولا، ولضمان انتهاء نظام القذافي ثانيا، ولاشك ان تجارب العرب مع التدخلات الاجنبية ولاسيما ما حدث في العراق تبقى راسخة في الاذهان لتؤكد أن الديموقراطية لا تستورد وأن الشعوب وحدها من تملك حق تقرير المصير واختيار المستقبل الذي تريد بعيدا عن كل وصاية. اللقاء الذي انتهى الى استفتاء للحضور - الذي جمع عددا من الصحفيين والطلبة وممثلي المجتمع المدني من عديد الدول العربية - خلص الى أن 55 بالمائة يرفضون التدخل العربي في ليبيا مقابل تأييد 45 بالمائة. ولعل في هذا النموذج ما يعكس مدى انعدام الثقة في مؤسسة جامعة الدول العربية لدى شريحة من الرأي العام العربي بسبب تداعيات ستة عقود من غياب الارادة السياسية وانعدام الوضوح لدى القيادات العربية الفاقدة للشرعية في اغلبها.