تؤكد مختلف المؤشرات ان من بين ما تسبب في تأجيل تنظيم الانتخابات العامة التي كانت مقررة لمارس الماضي (بعد شهرين عن شغور منصب رئيس الجمهروية) وفي بروز سيناريو تأجيلها مجددا الى الخريف القادم ان التناقضات لا تزال عميقة بين كثير من الاطراف السياسية وكثير من الشخصيات الوطنية المستقلة والمتحزبة والرسمية. كيف الخروج من هذه الدوامة؟ وكيف تتجنب تونس دخول نفق مجهول النهاية من "المغامرات" السياسية؟ فتحنا هذا الملف مع الدكتور المنصف السليطي رئيس المركز الاورومتوسطي للدراسات والابحاث والتنمية بباريس فكان الحوار التالي:
من خلال متابعتكم لتعاقب المبادرات والازمات السياسية في تونس منذ ثورة 14 جانفي الشعبية هل تعتبر ان البلاد نجحت في تجاوز مخلفات الماضي وفي بناء مؤسسات المرحلة القادمة؟
تونس تمر بمرحلة استثنائية على كل المستويات..لان الثورة أفادت الجميع داخل البلاد وخارجها..ولامفر من الاستفادة من تجارب الانتقال الديمقراطي الانتقالية في دول افريقية وامريكية لاتينية واوروبية نجحت في التخلص من مؤسسات الانظمة الديكتاتورية وبناء انظمة ديمقراطية حقيقية.. ان عملية الاستئناس بما حدث في الثورات والتحولات العميقة التي حدثت في بلدان أخرى مثل جنوب إفريقيا واندونيسيا واسبانيا وامريكا اللاتينية وغيرها تدعو إلى تشجيع مناخ عام لمصالحة وطنية وحث كل الفرقاء على التعالي على النظرة الحزبية والفئوية الضيقة والبحث عما يجمعهم.
هل تفهم من المصالحة تناسي اخطاء الماضي والتراجع عن محاكمة كبار المورطين في الفساد المالي والامني والسياسي؟
المحاسبة القضائية ضرورية لنسبة من كبار ممن ثبت تورطهم في الفساد والسرقات وفي الاستبداد لكن لا بد من تقديم منطق المصالحة والتفكير اولا في مستقبل تونس وليس في ماضيها.. علينا جميعا ان نعوض اللغة المشبعة بلغة الرجم والشتم والإقصاء والاستثناء بلغة التصالح والوفاق.. خطب الاقصاء والشتم كادت أن تقتلع حتى شجرة الزيتون من بلادنا..نحن في حاجة الى مصالحة وطنية عاجلة عبر ميثاق او سلوك يقنن الاحترام والتسامح ويحاصر الخوف والأحزان في عيون الأطفال والأمهات ولا يعتبر الفكرة المضادة "حشيشا" يعاقب عليها القانون ويساهم في مد جسور بين جميع الحساسيات الفكرية والسياسية وفي إيجاد علاقات تأثر وتأثير وأخذ وعطاء بين النخب المثقفة والمسيّسة ومختلف الشخصيات الوطنية للتأكيد على أن تونس قادرة على احتضان كل أبنائها وطاقاتها مهما كانت درجة التبيان في الرأي والاختلاف فيه وأن الاختلاف في التصور والرأي لا يحرم أيّا كان من حقه في المواطنة ولا يحرمه كذلك من حقه في الانتماء للمشروع الذي يحلم به ويتصور انه يعكس هموم ذاته وهموم المجتمع الذي يتطلع إلى بنائه ونحته ورسمه.
المحاسبة.. المحاسبة
هل لديك تصور حول طريقة توفق بين واجب المحاسبة وخيار المصالحة والعدالة الانتقالية؟
الكلمة الاولى والاخيرة ينبغي ان تعطى للقضاء المستقل.. إن سعي البعض لإدخال تونس في المحاسبة والتشفي والاقتصاص بشكل جماعي بعيدا عن القضاء خيار خطير.. لست مع التشفي مع كل من عمل في النظام السابق بالرغم من كوني كنت من بين ضحاياه.. هذه المنهجية ليست بصراحة الطريقة المثلى لتعبيد الطريق أمام دولة المؤسسات والقانون. مما لا شك فيه أن هناك بعض الرموز وبعض المسؤولين في قطاعات مختلفة يتحملون مسؤولية واضحة ومحددة فيما آلت إليه الأوضاع في البلاد من فساد واستبداد لابد من محاسبتهم من قبل القضاء والقضاء وحده.. ولا بد التشديد على احترام الضمانات الحقوقية والإجراءات القانونية والقضائية حتى لا نحتضن منطق الغالب والمغلوب ومنطق الغاب.. فهؤلاء لم يلعبوا بوعي دور الفرامل في المجتمع وقد" قيل لهم" وا الصبية بالتصفيق فأمروهم بالرقص".. ولقد سمعنا كثيرا في المانيا الاشتراكية (او الشرقية) عن البوليس السياسي "STASI " الذي كان يسيطر على ألمانياالشرقية قبل سقوط جدار برلين إذ هناك حسب بعض الابحاث للأولوية نسبة تفوق40 من الشعب كانت تعمل مع هذه الماكنية "ولكن في النهاية وخاصة لأبحاث الحديث ل"Marianne birthler" تبين ان النسبة لا تتجاوز 2 ٪ من الشعب وهو شيء كثير في حد ذاته. وفي تونس اعتقد ان السواد الأعظم من الإداريين وإطارات الدولة ورجال أعمال ونخب فكرية وثقافية لم يكن بإمكانهم حتى الحلم بدور الرافض أو المعارض فما بالك بخوض معركة مع" الأشباح" التي كانت تساهم في حكم البلاد وبالتالي من غير المقبول وضعهم جميعهم في قفص الاتهام.إن الوضع السياسي والاقتصادي والأمني لا يسمح بتحويل تونس إلى ورشة للتجارب الفكرية والنظريات المتطرفة فلا بد من السعي بإرادتنا ووعي سياسي جماعي نحو التجاوز والمصالحة الوطنية حتى نكون قادرين على تقنين وحماية مستقبلنا إذا كانت هناك رغبة ملحة وإرادة سياسية وشعبية للوعي باستحقاقات هذه المرحلة الانتقالية وذلك ضمن إطار وفاقي ليس فيه" إثبات بالنفي" ولا جمع بالطرح" ولا تزييف لإرادة الشعب".