سنوات طوال وهو يشكو السقم الممزوج بألم تأنيب الضمير لضعف الأداء إذ كلّما بذل ولو جهدا بسيطا يضيق صدره ويكاد ينقطع عنه الأوكسجين لذلك تجده يقتصر في ادائه دوما على ما اعتاد القيام به منذ سنوات دون زيادة ولا نقصان.. وإن كنت قد شاهدته منذ عشر سنوات وانقطعت عنك أخباره وغاب عنك محياه وشاهدته اليوم فإنك ستفاجأ بأن لا شيء تغيّر فيه.. لا شكلا ولا مضمونا. وقد أوهمه بعض من شخصّ حاله من أولي الذكر بأنه لا يشكو أيّة علّة وبأنه في صحة جيّدة وبأن ما يفرض عليه تلك الحالة من السقم هو خوف داخلي مبهم لا محلّ له عنده وأنّ عليه ان يتجاوز تلك الخطوط الوهمية التي وضعها لنفسه ويحرر نفسه من نفسه وأن الجميع سيقف الى جانبه في مسعاه الرامي الى تحسين أدائه ومجاراة أنداده وجيرانه. في المقابل أكّد له طرف أنه لا يشكو سقما ولا خوفا بل بالعكس فوفقا لحالة محيطه فإن أداءه جيّد.. وعلى عكس هؤلاء حطّ آخرون من عزائمه بأن نعتوه ب «الميّت حيّ» ولو انه مقتنع بأنه مجرّد رجل مريض لكن ما دوّخه حقّا هو كيف أصابه المرض وأصوله كانوا يتمتعون بصحّة جيّدة وفروعه الذين غادروا البيت واستقرّوا بالخارج يضرب بهم المثل في جودة الأداء والتميّز. لقد حار المسكين في امره ولم يجد لحاله مخرجا.. وظلّ يتألم في صمت ولسان حاله يردد «هذا ولا حاجة اخرى» لذلك تجده يحمد الله ويشكر كل من اولاه عناية خاصة وفي القلب غصة وفي اليد «رمّانة» لا يدري ان هي من الغلال التي عليه تفريكها أو من المتفجرات التي يخشى إن مسّها ان تنفجر في البيت فتدكهّ دكا. وعلى تلك الوتيرة واصل حياته إذ كلّما حلّ صباح جديد الا وحلّ معه طبيب أو عرّاف أو دجّال أو سمسار ليدلي بدلوه في امر ذلك الرجل المريض.. الى أن اجتمع الرأي على ان ينظم له ملف تلفزي بما أنه أصبح قضيّة الساعة التي تشغل بال الجميع.. حمل معه المسكين رمّانته وتوجّه الى دار التلفزيون واجتمع القوم حوله وعاينوا وفحصوا وحللوا وناقشوا.. فبماذا خرج المسكين يا ترى من هذا الملف؟.. خرج بيد فارغة والأخرى لا رمّان فيها.. آه نسيت ان اقول لكم ان الرجل المريض الذي حار في علاجه الجميع هو «الاعلام الوطني».